عند إمعان النظر في تاريخ نشأة وتأسيس الدول والإمارات المختلفة عبر التاريخ سوف نلحظ أن معظمها تأسس ونشأ بجهود شخصية وذاتية لقائد طموح، متطلع للمستقبل، والأمثلة على ذلك في التاريخ كثيرة لا تحصى بصفة عامة، وتاريخنا الإسلامي بصفة خاصة، والشواهد كثيرة، كما أسلفت، التي تدلل على ذلك. ولو نظرنا إلى تأسيس الدولة السعودية الأولى، التي برزت فيها إحدى الشخصيات القوية ذات القدرة الإدارية والطموحة، والمتطلعة للمستقبل وبناء الدولة، فنجد شخصيتنا هنا هي شخصية الأمير محمد بن سعود آل مقرن الذي استطاع، بما وهبه الله من همة وقدرة إدارية، أن يجعل من مدينة الدرعية الممزقة كيانا سياسيا موحدا تحت إدارته وسلطته التي تولاها في 1139 هجريا - 1727 ميلاديا، واستطاع أن ينافس بهذه الإمارة الإمارات النجدية الأخرى المجاورة، وأن يوجد له مكانة على الخارطة السياسية في أقاليم نجد، وبقوة. وتمثلت هذه القوة في أمرين اثنين: أولهما قوته السياسية والأمنية بمدينة الدرعية، والثانية استقلاليته في الحكم دون الوقوع تحت تأثير القوى الإقليمية المحيطة به. والواقع أن تلك القوة التي تميز بها الإمام محمد بن سعود لم تأت من فراغ، فالإمام محمد هو نسل الأمير مانع المريدي الذي أساس الدرعية على أرض الملبيد وغصيبة، وسار من بعده أبناؤه وأحفاده على الطريق نفسه، فالعمق التاريخي يذكر لنا ويشير إلى أن الدولة السعودية تعود في نشأتها بالفعل إلى مانع المريدي في منتصف القرن التاسع عشر الهجري، فيأتي هنا يوم التأسيس ليظهر القيمة والرمزية التاريخية المهمة في تاريخ المملكة العربية السعودية، وتاريخ الدولة السعودية بصفة عامة، فهذه الرمزية تظهر لنا عمقنا التاريخي والحضاري، وترمز إلى أصالتنا العربية، وقيمنا الإسلامية، وثقافتنا القوية، وهويتنا الحقيقية لهذه الدولة السعودية التي لا تعتبر دولة حديثة العهد أو طارئة على التاريخ، بل لها عمق وجذور تجذرت في مختلف مراحلها التاريخية حتى وصلنا إلى العهد المعاصر عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، رحمه الله وطيب الله ثراه.

* أستاذ التاريخ الحديث المشارك في جامعة الملك فيصل