أما بعد وقد أصبح اهتمامنا بدراسة اللغات الأجنبية وإتقانها، فإن تدريس اللغة العربية يتعرض لنوع خطير من الإهمال، یودي بها إلى أن تكون غریبة في بلادها، ولیت الأمر ینتهي عند هذا الحد، بل یتعداه حین نقرأ ونسمع أمثلة وشواهد لأساتذة ومعلمين يخطؤون لیس‌ فحسب في النحو والصرف وبناء الجملة، بل أیضا في الإملاء، والمرء یأسف حین یكون هذا هو حال هؤلاء الأساتذة.

وقد تتضاعف الدهشة حین نری الاهتمام الكبیر بإتقان اللغات الأجنبية بشكل یزید بكثیر عن الاهتمام بإتقان لغتنا العربية، وكأننا نحرص علی احترام وتقدیر لغات الآخرين في وقت نتعمد غیر ذلك بالنسبة للغتنا العربية، مع أنه كان الواجب أن یكون العكس هو الصحیح.

ولیس مصادفة -والأمر كذلك- أن تكون الكتابة من صنع الإسلام وإلا فما معنی أن یشترط النبي صلی الله علیه وسلم أن تكون الفدیة من الأسر في أعقاب غزوة بدر، مقابلها أو نظیرها أن یعلم الأسير من المشركین الكتابة لعشرة من المسلمین؟، والأكثر أن یكون القرآن الكریم أول نص عربي إسلامي مكتوب وصل إلینا، نتیجة لتعلم الكتابة التي سعی إلیها النبي الكریم.

وتتسع الدولة الإسلامية في العصر الأموي، مما یؤدي إلى اختلاط العرب بالأعاجم، وهو ما یؤدي بدوره إلى خشیة إفساد اللسان العربي، وهنا بدأ التفكیر في ضبط وتصحیح هذا اللسان العربي، حیث كان تألیف كتب النحو والصرف.

فإذا كان هذا قلیل من اهتمام أجدادنا العرب باللغة العربیة، فالأمر یختلف عند الأحفاد، وإلا فما معنی أن تتكرر توصیات مجمع اللغة العربیة في السنوات الأخیرة متضمنة الشكوی المستمرة من تدهور مستوی التعامل‌ مع اللغة العربیة، مما أدی إلى الضعف اللغوي ونشوء نوع من الصراع بين اللغة الیومیة التي تساندها وسائل الإعلام، والفصحی التي تتراجع أمام سلطة هذه الأجهزة الإعلامية، وانهیار مستوی التعلیم، وتخفیض ساعات تدریس اللغة العربیة في كثیر من الجامعات والمدارس في بلادنا العربیة، مع انتشار المدارس الأجنبیة علی حساب اللغة العربیة، لیتخرج الطالب وهو غیر قادر علی كتابة سطر واحد صحیح باللغة العربیة، في وقت یتقن فیه الكتابة بغيرها من اللغات الأجنبیة، أدبا كان أو علما.

ولا یقل هذا الخطر عن خطر آخر، هو خطر التغریب والتبعیة الثقافیة، حیث نجد الكثیرین ممن یستهینون بلساننا العربي إلى الدرجة التي یشككون في أدبه وفكره. وتبع ذلك محاولات القضاء علی هذه اللغة علی مر العصور، ویكفي أن نتتبع محاولات أعداء هذه الأمة للنیل من لغتها العربیة ومحاربتها بشتی الوسائل، ومنع انتشارها بكل الحیل والأسالیب، لندرك قیمة هذه اللغة في نظر أعدائها، وعظم دورها في تقدم حیاة أهلها، وفي تجمیع قواهم، وتوحید صفوفهم.

هذه المحاولات سجلتها العدید من الكتابات المخلصة، كانت في مجملها خیر شاهد وأصدق دلیل علی عظمة وخلود هذه اللغة.