إذا كان التعليم عن بعد قد وضع حالات الاعتداء التي يمارسها الطلاب تجاه المعلمين جانبًا، فإن عودة الدراسة الحضورية، تعيد إلى الأذهان تلك القصص التي طالما تم تداولها كثيرًا لطلاب تربصوا بمعلميهم ونالوا منهم لفظيًا وجسديًا أو حتى بالاعتداء المادي على ممتلكاتهم وعلى الأخص سياراتهم، وذلك في سلوك تباينت الآراء في تفسيره، فرآه البعض ردة فعل لسوء سلوك وتقدير واستهتار واستخفاف المعلم بطلابه وعدم تمكنه من مادته وفشله في إقناع الطلاب بكفاءته، ورآه آخرون نتيجة لتزمت المعلم في العقوبات التي تمارس على الطالب، فيما رآه آخرون نتيجة منطقية لظروف غير سوية يعيشها الطالب سواء نتيجة التشتت الأسري أو غيرها من الظروف.

ولا شك أن السلوك العدواني لدى طلبة المدارس بات حقيقة واقعة وملحوظة في مختلف دول العالم، حتى باتت ظاهرة اجتماعية لها انعكاساتها السلبية.

ويختلف العدوان الذي يمارسه الطلبة تجاه معلميهم، فمنه جسدي مثل الضرب والعراك، ولفظي مثل الإهانة والشتم، وقد يكون أحيانا مباشرا فجا، أو عن طريق غير مباشر بدفع الطالب آخرين وتحريضهم للاعتداء على المعلم.


علاقة

يحفل الميدان التربوي بشواهد وأحداث تؤكد أن التعامل السيئ وتطبيق النظام الصارم والعقاب المشدد والتوبيخ المستمر وكذلك التنمر، يعد سلوكًا سلبيًا، حيث يعامل بعض المعلمين طلبتهم بما يصفه الخبراء بأنه «سلوك غير مسؤول يكشف التواضع المهني والتربوي» لدى هؤلاء المعلمين فيؤدي إلى عدائية الطالب لمعلمه أو لمدير مدرسته، وقد يقود بشكل مباشر إلى تدني المستوى التحصيلي للطلاب وتراجع دافعيتهم للذهاب إلى المدرسة، فضلًا عن ضعف تفاعلهم في الصف تجنبًا للإساءات التي قد تطالهم.

ويرى علم النفس أن تنمر المعلمين أو توبيخهم وصراخهم المستمر على الطلبة، وسيلة مرفوضة وغير تربوية، إذ أن أكثر من 80% من شخصية الإنسان تتشكل خلال السنوات الخمس الأولى، فإن تعرض الطفل للإيذاء لفظيًا أو جسديًا، أثر ذلك في مكونات شخصيته، وبقي ملازما له مستقبلًا.

الإيذاء النفسي

يرى يحيى حمد آل شغاث -مدير سابق ووكيل مدرسة طيبة المتوسطة- أن «أسلوب المعلم وعدم احتوائه للطلاب، وتعامله معهم بشكل غير لائق حيث يتمسك بصرامة النظام ويتبع أسلوب التهديد بخصم الدرجات أو العقاب أو الطرد من الفصل، وهذا نوع من الإيذاء النفسي للطالب، فلغة التهديد المستمر واللوم والإحباط تؤدي إلى ردة فعل عدائية لدى بعض الطلاب تجاه معلميهم».

وتابع «يفترص بالمعلم أن يلعب كذلك دور المربي والتربوي، ولا بد أن يتحلى بالتأني والصبر واللين، فالتسرع بالخصم وتطبيق النظام الصارم والعقوبة واستدعاء ولي الأمر لأتفه الأسباب يسبب فجوة كبيرة مع الطالب، ومتى كانت العلاقة أبوية وإنسانية فرضت النجاح على الجميع.. وتطبيق النظام سهل، لكننا نحتاج إلى فن القيادة أكثر من حرفية النظام».

العنف يولد العنف

يشدد المرشد الطلابي علي مانع آل عقيل على أن «العنف يولد العنف، والعلاقات مسؤولية، والمسؤول يجب أن يكون واعيا لدوره في تنمية العلاقات وتجويدها لتحقق التكامل».

وأضاف «علاقة المدير أو المعلم بطلابه علاقة يجب أن تُبنى على الاحترام والتقدير، فالاحترام يُفرض بحسن التعامل ومصداقية التقدير، وعندما يشعر الطالب أن معلمه ذا شخصية متزنة وضابطة للصف ومقدرة للقصور وغير ميّالة للعنف وحريصة على تعديل السلوك وتقويمه لا على ضبط السلوك والتبليغ والتشهير بحدوثه، قطعًا لن يتولد العنف في علاقته معه بل سيكون ذلك الأسلوب فرصة للتحسين والاعتدال».

وتابع «كما لا ننسى دور الأسرة المهم في تربية الأبناء على الاحترام وعدم التهاون ونبذ النعرات والعنصرية وإبعادهم عن مشاهد العنف ومحاورتهم بشكل دوري»، ولنا في حديث الرسول صلوات الله عليه وعلى آله وسلم «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانهُ، ولا ينزعُ من شيءٍ إلا شانهُ» أسوة حسنة.

14 سببا للعدائية

يعدد المعلم عبدالخالق صالح الفقير 14 سببا لعدائية بعض الطلاب تجاه معلميهم، كما يردد أهم طرق العلاج، ويرى أن بعض الأسباب يتحملها الطالب وبعضها المعلم وبعضها المدير كطرف ثالث في العلاقة المدرسية.

ويعدد الفقير الأسباب بالتالي:

• نفسية: مرض، إدمان.

• اجتماعية: طلاق، عنصرية، فقر، عنف أسري.

• تعليمية: رسوب، إهمال، عقاب لفظي وبدني، ظلم وعدم إعطاء الطالب حقه.

استهزاء وسخرية بالطالب.

• ضعف لائحة السلوك والمواظبة.

• عدم رغبة الطالب في التعليم وإجباره من قبل ولي الأمر.

• العقاب الشديد والظلم.

• التغاضي عن أخطاء الطالب وعدم محاسبته مما يؤدي إلى التمادي.

• عدم تمكن المعلم من مادته العلمية وعدم معرفته بشخصية الطالب ومراعاة الفروق الفردية وعدم إشغال الطالب في الحصة.

• عدم إحساس الطالب بالتقدير والاهتمام وقمعه بشكل سيئ أمام زملائه يجعل منه متمردا.

• أسلوب المعلم وقيادته للحصة والمرونة في التعامل.

• عدم مراعاة وضع الطالب وظروفه ومساواته بزملائه في العقاب.

• عدم التواصل بين المدرسة وولي الأمر والأسرة.

• عدم التنوع في إعطاء الدرس وتوصيل المعلومة مما يسبب الملل عند الطالب وبغضه للمعلم والمادة.

طرق العلاج

كما عدد الفقير طرق العلاج لهذه العدائية، وهي:

• رفع الروح المعنوية للطالب وتعزيز الجانب التربوي.

• الاحتواء ودراسة الحالة.

• إعطاء الطالب حقه إن كان له حق.

• الاعتذار للطالب في حالة الغلط.

• المساعدة الاجتماعية.

• الإحالة للجهات المتخصصة تربويا وعقابيا.

سلوك متعدد الأبعاد

يبين المعلم عبدالرحمن صالح عبدالقادر أن «السلوك العدواني من القضايا المهمة في المجال التربوي، وهو جدير بالبحث والتمحيص والدراسة، ويرى باحثون أن السلوك العدواني مثل أي سلوك إنساني، متعدد الأبعاد، متشابك المتغيرات، متباين الأسباب بحيث لا يمكننا رده إلى تفسير واحد، ومع تعدد أشكال العدوان ودوافعه تعددت النظريات التي فسرت السلوك العدواني، ومن الأسباب:

• أسباب ذاتية: ترجع إلى تكوين الإنسان الجسمي والنفسـي

أسباب اجتماعية: ترجع إلى ظروف نشأة وتربية الطالب في البيت والمدرسة وعلاقته برفاقه، وبعضها الآخـر يرجع إلى ظروف الموقف الذي ارتكب فيه العدوان.

وما يصدر عن الطالب من سلوك عدواني، هو انعكاس لتأثير مجموعـة العوامل الاجتماعية والاقتصادية، فإذا لم يلق الطفل المعاملة التربوية الحسنة في المدرسة ويستوعب المناهج المتطـورة، فإن حياته سيصيبها الفشل ويسيطر عليه السأم والضيق، ويميل للعدوانية في علاقاته مع أقرانه والمدرسين والمدير».

وأكمل «لا بد من احتواء الطالب حتى لا ينفر من المدرسة ويصبح شخصا غير فعال بالمجتمع، ويبدأ ذلك من المعلم مرورا بالمرشد الطلابي ثم وكيل شؤون الطلاب وختاما مدير المدرسة».

محو الصلاحيات

قالت المشرفة التربوية نجوى حسن الكستبان إن «محو الصلاحية للمعلمة وتكرار كلمة المعلمة في خدمة الطالبات وتعليمهن أثرت سلبا على هيبة المعلمة، وقوّت حجة الطالبات لدرجة أن بعضهم بتن يتطاولن على المعلمة باللسان واليد أحيانا، ومن هنا بدأت العدائية حيث إن الطالبات لا يتقبلن من معلماتهن أي كلمة في مصلحتهن ويعتبرن ذلك تدخلا في تعليمهن وحياتهن».

تفاوت العدوانية

يجزم المعالج النفسي العيادي والجنائي الدكتور عبدالله بن أحمد الوايلي أن «العنصر البشري من أهم مصادر الثروة وأساس التقدم في كل المجتمعات، لذا فالاهتمام بتنمية هذه الثروة البشرية أمر حتمي وحضاري، وفي المقابل فإن الصحة النفسية تعتمد على السلوك السوي وتعديل اللاسوي، فالعدوانية من السمات الشخصية المولودة مع الإنسان ولكن تتفاوت درجاتها حسب التجارب والخبرات وحسب القدرة على الاتزان الانفعالي، أي أنها تنقلب إلى صفة لدى البعض عندما يؤمن بها ويصدقها ويدافع عنها، فالطالب الذي يجد التعزيز والتشجيع والتأصيل على ممارسة أي نوع من العدوانية الظاهرة أو الكامنة من البيئة المحيطة وخاصة الأسرة فإنه سوف يسلكها بلا تردد، وهذا يعني أن العدوانية الموجهة من الطلاب للمدراء والمدرسين لها عدة عوامل منها النفسية والاجتماعية أي لها جذور تربوية سلبية ونماذج متأصلة غير مقبولة فالمعلم بمنزلة الأب له احترامه وتقديره».

مجرّم قانونا

أضاف الوايلي «السلوك العدواني مجرم قانونًا، وله تعاريف عدة، منها أنه عبارة عن ـ كل سلوك نشط فعال يهدف إلى سد حاجات أساسية أو غرائز ـ فالطلاب والطالبات في جميع المراحل الدراسية يكتسبون سلوكياتهم من البيئة الاجتماعية ويتعرضون لعدد من المواقف اليومية، إضافة إلى التغيرات الفسيولوجية المرتبطة بالمرحلة العمرية خاصة مرحلتي الطفولة والمراهقة، حيث تفيد الإحصائيات أن من بين 15 إلى 20%؜ من الطلاب بمرحلة الطفولة يتعرضون للإيذاء النفسي والبدني كالتنمر أو التحرش أو غيرها، إلا أن ذلك لا يبرر سلوكياتهم العدوانية تجاه مدرائهم ومدرسيهم، وأي سلوك سلبي من هذا النوع يحتاج للعلاج المباشر حتى لا يتفاقم».

وتابع «كثير من الطلاب يتعرضون للضغوط النفسية والاجتماعية مما يدخلهم في دائرة الكبت وهي مشاعر مكبوتة لا يستطيعون التنفيس عنها كثيرًا فتولد لديهم تراكمات سلبية مما يقود البعض منهم للانفعالات غير المبررة، ومنها العنف والعدوان المباشر وغير المباشر تجاه مدرسيهم ومدرائهم لأنهم الحلقة الأضعف للأسف بسبب التغيرات الثقافية أولًا والإجرائية ثانيًا».

الدراسات النفسية

قال الوايلي «أثبتت الدراسات النفسية والتربوية أن العدائية موجودة وواضحة لدى عدد من الطلاب لارتكابهم سلوكيات سلبية تجاه زملائهم ومدرسيهم وتجاه الآخرين، كما أثبتت إحدى الدراسات أن النزعة العدوانية تتضح في المدرسة على شكل سلوك اعتداء على الآخرين إما بالمشاجرة أو الشغب أو الانتقام أو التحدي وكذلك على شكل انتقاد الآخرين وتعذيبهم، ومن هنا تجب الإشارة إلى أن النزعة العدائية فطرية ومولودة مع الإنسان وهي سمة شخصية مشتركة ترتفع وتنخفض حدتها حسب الشخص وبناءً على ثقافته وخبراته، وخبرات الطلاب من الجنسين قليلة وضعيفة، بل إن مرحلة المراهقة وهي مرحلة إثبات الذات هي المرحلة المسيطرة على سلوكياتهم».

الهدوء والعقلانية

واصل الدكتور الوايلي «التعامل مع الطلاب يحتاج منا جميعًا الهدوء والعقلانية أولًا ثم الحزم وفق القوانين الأخلاقية والإنسانية والاجتماعية ثانيًا، لأن العوامل النفسية والتربوية مهمة جدًا في تعديل وتغيير المفاهيم الخاطئة والسلوكيات السلبية خاصة الفُجائية منها حيث يجب على الباحثين تأصيل المشكلة ودراستها وتحليلها وطرح أساليب علاجية لها».

وتابع «السلوك العدواني لدى الطلاب يأتي على أشكال متعددة ومختلفة ومتداخلة، مثل السلوك اللفظي وغير اللفظي أي الحركي، وكذلك السلوك الإيجابي والسلبي، والسلوك المباشر وغير المباشر، فالمباشر دائمًا ما يكون حادًا وقويًا بسبب الميل للاعتداء والخصام والانتقام وأيضًا العناد والتحدي والاستمتاع بإيذاء الآخرين وانتقادهم أي أنها سلوكيات عدائية سلبية كامنة غالبًا ما تظهر في المواقف الدراسية المختلفة كالتأخير والغياب والإهمال، حيث يستخدمها الطالب للدفاع عن نفسه بطريقة خاطئة أمام مدرسيه لإثبات ذاته؛ فعندما يعجز الطالب عن مجاراة الآخرين حتى زملائه علميًا وسلوكيًا يلجأ إلى أساليب غير سوية بهدف الظهور، ولا بد من توضيح أن السلوكيات السلبية للطلاب وخاصة العدائية تعود غالبًا لأسباب جوهرية منها عدم وجود القدوة والنموذج الأمثل وبالتالي ضعف التوجيه والإرشاد والتوعية التي تساعدهم على فهم وضبط سلوكياتهم مقارنة بمطالبهم واحتياجاتهم خاصة في ظل نشاطهم الزائد».

العلاج تربوي

ختم الوايلي «حتى تتضح الرؤية أكثر فإن العلاج تربوي وتعليمي فهو عملية شاملة، حيث إن الوظيفة النفسية للمدرسة ليست تعليمية فقط بل تربوية بالدرجة الأولى ومنها مراعاة النمو النفسي للطلاب والتعامل معهم وفق الأساليب العلمية والتربوية والقانونية التي تناسب أعمارهم الزمنية لأنهم يحتاجون للشعور بالأمن النفسي والاجتماعي لأن السلوك العدواني لدى الطلاب يمثل ظاهرة خطيرة جدًا ويجب دراسته والبحث فيه بشكل أكثر للوصول إلى الطرق العلاجية الناجعة».

طرق لعلاج عدائية الطلاب

1. توعية الطلاب والمدرسين بأهمية فهم المرحلة العمرية وآلية التعامل معها.

2. الاهتمام بالمقابلة الإرشادية لكل حالة منفردة ودراستها لمعرفة المشكلة وأسباب وعلاجها.

3. مراعاة الطلاب والفروق الفردية بينهم والإمكانيات أو القدرات النفسية والاجتماعية.

4. عمل أنشطة اجتماعية ورياضية لمساعدتهم على التنفيس الانفعالي والاستفادة النفسجسمية.

5. تفعيل دور المرشد الطلابي في معرفة السلوك العدواني ومعالجته.

6. تفعيل الدور الأُسري لأن المسؤولية مشتركة وذات أبعاد مجتمعية.