عندما سُئل سمو ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، في أحد لقاءاته التلفزيونية عما إذا كان إعفاء أحد الوزراء – بسبب تجاوزات وإساءة استخدام السلطة – تفعيلا لدور هيئة مكافحة الفساد، ذكر سُموّه أن الملك سلمان بن عبدالعزيز قد أحدث تغييرات في هيئة الفساد في أول يوم تولى فيه الحكم، وكان ذلك استشعارا منه لأهمية دور الهيئة، ولعدم رضاه عن العمل الذي تقوم به آنذاك. وأضاف سُموّه: «إن لم تكن مكافحة الفساد على رأس السلطة، فلن تحقق نجاحا في محاربته مهما عملت». وختم إجابته بمقولته المشهورة، التي تُعبر عن سياسة ومنهجية المملكة في الإصلاحات الجديدة، بقوله: «أنا أؤكد لك أنه لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد أيا كان، سواءً كان وزيرًا أو أميرًا، فمن تتوافر ضده الأدلة الكافية سوف يُحاسب».

وعلى الرغم من أنه لا يوجد اتفاق على وجود تعريف عام وشامل لـ«الفساد»، فإن اتفاقية هيئة الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (2003) حددت في نصوصها الممارسات التي يمكن اعتبارها فسادا كـ: الإثراء غير المشروع من خزينة الدولة، ورشوة الموظف الحكومي، والاختلاس، واستغلال السلطة، واستغلال الوظيفة العامة في تحقيق مصالح شخصية، والتستر، وغسل الأموال، وعرقلة العدالة. وتعرف القواميس المعجمية «الفساد» على أنه عمل مخادع وغير أمين يقوم به صاحب النفوذ، لتحقيق مصالح خاصة.

وعن إمكانية اجتثاثه، أشار تقرير مجموعة البنك الدولي «تعزيز فعالية الحكومة والشفافية لمكافحة الفساد» (2020) إلى أنه على الرغم من الحلول التقنية والتدابير القانونية التي تم اتخاذها لمكافحة الفساد، فإن طبيعته المعقدة والمتعددة الأوجه جعلت من إمكانية اجتثاثه نهائيا ليست بالأمر اليسير، وذلك بسبب أنه في العديد من المجتمعات «يكون السلوك الفاسد متجذرا بعمق في الأصول التاريخية والأعراف الاجتماعية والثقافة السياسية»، وسبب ذلك أنه توجد هناك «روابط قوية بين السلطة والسياسة والمال». فكما يذكر التقرير، أنه في الغالب يتم «تمويل الأحزاب والحملات السياسية على خلفية الروابط الوثيقة مع الشركات التي قد تكون فاسدة. لذلك نجد أن النخب السياسية الراسخة حريصة على إمساك قبضتها على السلطة والمال. وبالتالي، فإن المجال المتاح أمام الإصلاحيين لإجراء تغييرات مقيد بحدود نفوذهم السياسي، وعادة ما يستغرق ذلك وقتا طويل».


وفي إسقاط ذلك على المستوى الوطني، نجد أن سُموّ ولي العهد يعلمُ جيدا أن «الفساد» يظهر عندما تكون هناك «سلطة» و«مال» في يد «الجشِع» الذي يطمعُ في أن يُثري من خزينة الدولة، ويخدم مصالحه الخاصه بطريقة غير مشروعة. كما أن سُموّه يعلمُ أن «الفساد» يجب أن يُحارب سواء على مستوى النخبة أو على مستوى الموظف العادي، فكانت رسالته موجهة بحزم إلى الجميع بقوله: «لن ينجو»، حيث إن بقاء أصحاب الصلاحيات والامتيازات في مناصبهم لوقت طويل قد يجعلهم عرضة لإغراء «فتنة الفساد»، فنجد مديرا عاما، على سبيل المثال، أصبح في منصبه لعقد من الزمن دون أن يُثبت أن لديه ميزة عن أقرانه، وتجده يتصرف في المنشأة الحكومية وكأنها ملكية خاصة له. فمن خلال منصبه يستخدم نفوذه، ويحارب الكفاءات الوطنية، لهدم عزيمتهم للمشاركة في بناء هذا الوطن، وكل قريب منه يتمتع بالامتيازات المالية والوظيفية، وكل بعيد عنه يكون مهمشا حتى لو كان يحمل من المؤهلات العلمية والعملية ما يساعده على تحسين وضعه الوظيفي، فمثل هذه العينات لا تحقق أهداف «رؤية 2030»، لأنها لا تخدم المصلحة العامة من خلال بناء وطن ومواطن، بل هي معاول هدم وليست بناء، فـ«متى يبلُغُ البنيانُ يوما تمامهُ ... إذا كنت تبنيهِ وغيرُكَ يهدمُ».

وعلى الرغم من ذلك، فإن المتابع لأخبار هيئة الرقابة ومكافحة الفساد (نزاهة) يجد أنه قد ضبطت كثيرين من الذين استغلوا نفوذهم الوظيفي في تحقيق مصالحهم الشخصية، ومنهم: القاضي، وكاتب العدل، والضابط، والمهندس، والمدير، وحتى الموظف العادي. وهذا التقدم الذي تشهده المملكة ما هو إلا بناء لدولة مدنية، تتمتع بتنمية مستدامة، تحقق العدل والمساواة للجميع.