وجد نفسه هائمة بالفن وجمالياته، بالثقافة والفكر والكلمة الباقية، بحث عن وظيفة لا تأخذه بعيدا عن هواه، فوجدها عند فرع جمعية الثقافة والفنون، الوظيفة هي سكرتير الجمعية. أحب وظيفته. كان يذهب إلى مقر عمله مبتهجا. على رغم الكآبة التي تبعثها تفاصيل ذلك المبنى المتهالك، المهمل.

لم تحبطه أحوال الفن لدينا. لم يحبطه ما ينشر في الصحف بشكل متواصل عن عوز هذه الجمعية وعجزها عن أداء مهامها التي أوجدت من أجلها. إنه أمين بوكا الذي نشرت "الوطن" قصته الحزينة أمس.

وليست القصة (قصة الحزن) محصورة في جدار مشروخ أو حتى في فاجعة لا تنسى مثل فاجعة الشاب أمين بوكا الذي لقي مصرعه تحت جدار فرع الجمعية بالمدينة المنورة بعد انهياره على هذه الزهرة المتفتحة، ليقضي عليها.

إنها قصة شرخ في جدار الفن بمعناه الشامل والكبير، ليست المأساة في جمعية الفنون، بل في فهمنا للفنون وربما في فهمنا للجمال أيضا. إن مشهد انهيار جدار فرع فنون المدينة المنورة لهو مشهد حقيقي وناصع لمشهد انهيار أوسع وأشمل لحالة الفنون الجميلة في المجتمع والمؤسسات بالدرجة نفسها. لا أحد يبدو مستشعرا أهمية الفن بالنسبة للإنسان وحضارته ووجوده.

يصعب إن لم يكن مستحيلا على المتابع لأحوال الفن ومؤسسته المتمثلة في جمعية الثقافة والفنون أن يجد مسؤولا واحدا مر بأحد فروعها أو بإدارة الجمعية نفسها، دون أن يبث شكواه وحزنه وقلة حيلته، عبر المتاح من وسائل الإعلام. فيما لا أحد يبدو مستعدا لمحاولة استشعار هذه الأهمية.

ما جعل من انهيار جدار لمؤسسة حكومية تعنى بالفن فوق شاب لم يكمل عقده الثالث بعد، كان أحد منسوبيها الإداريين، خبرا ليس ذا أهمية، ولا أبعاد أخرى، ولا دلالات خطيرة، ولا يحمل أي رسالة لذوي الألباب!

رحمك الله يا أمين بوكا، يا من اختاره جدار الفن لتثبيته أيقونة في ذاكرتنا، أيقونة حزن أزلية على الفن المكلوم، الذي ما زال ينهار ويتهدم، مفنيا نفسه والإنسان معا.