لأسباب كثيرة، نجد الرجل هاربا من بيته إلى أي مكان آخر كالاستراحة مثلا، أو إلى عش زوجي آخر يتوهم فيه الراحة ولو لبعض الوقت من مشاكل بيته التي قد تكون مفتعلة وغير حقيقية، وأحيانا يهرب الرجل من بيته وبدون سبب على الإطلاق. والطريف في الأمر أن هذا الهروب يعد ظاهرة أو شبه ظاهرة اجتماعية في أحسن الأحوال. حتى بين الرجال أنفسهم، حيث يعزى سبب هروب الأزواج إلى مشاكل يكون سببها في الغالب الزوجة، فيولي الزوج هاربا كعلاج ناجع للمشاكل، وتبقى المرأة مرابطة صابرة في موقعها، ولو لم يكن للمرأة من حسنات سوى ثباتها في موقعها لكفاها، لكن ما يدعو إلى التساؤل ما هو الأمر الذي يجعل المرأة تلعب نفس الدور؟ ما الذي يدفعها للهرب من بيتها إلى أي مكان آخر، كاللجوء إلى تجمعات الصديقات والأهل والجيران، أو على أقل تقدير تذمرها من واقعها ورغبتها في تغيير هذا الواقع والمجاهرة بذلك؟
إن الأمور التي تدفع المرأة إلى الهروب من بيتها وزوجها هي نفس الأمور التي تدفع الزوج نفسه للهروب مع فارق جوهري، هو أن المرأة أكثر صبرا وتحملا، مما يجعل الرجل يشعر بأنه مثالي وهي التي تقصر في حقه دائما، لذلك فإن كان الرجل ينزعج عندما تستقبله زوجته (الشكّاية) بالمطالب والمشاكل حين عودته من عمله، فهي كذلك تنزعج وتتضايق عندما يدخل الزوج (المزعج) من عمله مرهقا ومتعبا فيصب عليها وعلى أولاده جام غضبه وتذمره من أشياء تافهة، غير معتبر بإرهاقها طوال فترة غيابه بين دوامها ورعاية أبنائها وتلبية طلباته التي تلتزم بها حتى في غيابه، لذلك على الرجل الذي يتقاعد من عمله، خاصة تلك الأعمال التي كانت تشغل أكثر من 50% من وقته، على هذا الرجل ممارسة بعض الأعمال التي تتناسب مع وضعه بعد التقاعد، أو الانتظام في دورات تأهيلية تدربه على كيفية التعاطي مع أفراد عائلته بعد التقاعد، وبعد غياب سنوات طويلة عنهم، قبل أن ينظر إليه كل من حوله في المنزل متسائلين، ماذا يريد هذا الرجل منا، لقد وصل متأخرا ولا يحق له إرباك حياتنا. وقبل أن ينظروا إلى الساعة في فترة وجوده الثقيل عليهم توقا لمغادرته.
لينظر كل رجل إلى نفسه وتصرفاته مع زوجته، ولا يطمئن لكونها لاحول لها ولا قوة ولا تتمكن من الهروب كما يفعل في الغالب، قبل أن يحدث ما لا تحمد عقباه. خصوصا أنه لا يملك مهارة الصمود والمرابطة كالمرأة، وبالتالي فسيخسر المعركة سريعا.