رغم أن كثيرا من المحللين السياسيين حول العالم، يعتقدون أن الولايات المتحدة الأمريكية جرت الدب الروسي، للوقوع في فخ حرب استنزاف ربما تستمر طويلا، إلا أن ذلك لم يحدث على أرض الواقع، فقد كانت العملية العسكرية الواسعة، التي بدأتها روسيا في أوكرانيا فجر الخميس الموافق 24 فبراير 2022، كانت سريعة وفعالة، تركزت من خلال هجمات برية وبحرية وغارات جوية.

وتقول أوكرانيا إن مركبات عسكرية روسية دخلت أراضيها من عدة اتجاهات، من بينها شبه جزيرة القرم، ومن بيلاروسيا إلى الشمال.

وضربت صواريخ كروز وصواريخ باليستية، المقار العسكرية والمطارات، ومن بينها مطار كييف الدولي، ومطار إيفانو فرانكيفسك، الواقع في غرب البلاد.


وسمع دوي انفجارات في أنحاء أوكرانيا كافة، وأفادت تقارير بأن القوات الروسية هبطت في ميناءي أوديسا وماريوبول. ويقول مسؤولون أوكرانيون، إن 40 جنديا أوكرانيا على الأقل قتلوا، وقال الجيش الأوكراني إنه قتل حوالي 50 «محتلا» روسيا، لكن لم يتحقق من ذلك العدد من مصدر آخر.

وقالت وزارة الدفاع في موسكو، إن القوات الموالية لروسيا في شرق أوكرانيا، نفذت هجوما مضادا بنيران مساندة من روسيا، كما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن التوغل في أوكرانيا، محذرا من أن أي تدخل سيؤدي إلى رد فعل «فوري»، لم يسبق له مثيل في التاريخ.

نقطة تحول

هكذا رأي الغرب المشهد، بعد خطاب طويل، ممن باتت أوروبا وأمريكا تسميه «مرشدا أعلى جديدا»، لكنه هذه المرة روسي وقف متحديا للنداءات الدولية من أجل السلام، والتهديدات الغربية بفرض عقوبات، وأعلن الرئيس الأوكراني، فولوديمر زيلينسكي، الأحكام العرفية لأن بلاده تقاوم غزوا روسيا.

وهنا ظهرت تحليلات مؤكدة، أن ما حدث في أوكرانيا سيغير المعمار الأمني في أوروبا، ونقطة تحول فعلية في الساحة السياسية الدولية، وفي حال واصلت دول الغرب التصعيد، فإن الخطوة القادمة ربما تكون حربا عالمية فظيعة.

تحذير شديد اللهجة

أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ساعة مبكرة من صباح الخميس، عن تنفيذ «عملية عسكرية» في إقليم دونباس، شرقي أوكرانيا، الذي يضم منطقي لوهانسك ودونيتسك. وجاء ذلك في خطاب متلفز للرئيس الروسي صباح الخميس، في نفس الوقت الذي كان مجلس الأمن الدولي يطلب فيه منه التوقف عن المضي قدما في الهجوم. وحث بوتين الجنود الأوكرانيين في منطقة القتال بشرق أوكرانيا، على الاستسلام وإلقاء الأسلحة والعودة إلى ديارهم.

كما حذر أوكرانيا من تحميلها مسؤولية أي إراقة دماء، وقال إن بلاده لا تنوي احتلال جارتها، وقالت وزارة الدفاع الروسية إنها تستهدف البنية التحتية العسكرية والدفاع الجوي، والقوات الجوية بـ«أسلحة عالية الدقة».

وخاطب بوتين الشعب الروسي قائلا «لقد اتخذت قرار القيام بعملية عسكرية»، مبررا ذلك بأن حكومة كييف تشرف على «إبادة جماعية» في المناطق الشرقية من أوكرانيا.

وقال بوتين إن العملية تهدف إلى «نزع السلاح من أوكرانيا»، التي اتهمها بأنها دولة «معادية» لروسيا، يتم تزويدها بالأسلحة الحديثة، مضيفا أن بلاده لا يمكن أن تشعر بالأمان في مواجهة ما وصفه بالتهديدات المستمرة من الأراضي الأوكرانية.

وشدد وزير الخارجية الأوكراني، دميترو كوليبا، على أن بلده سيدافع عن نفسه في مواجهة الهجوم الروسي، وحض العالم على وقفه.

الحرب مستمرة

قال بوتين في تصريحات أمس، إن العملية العسكرية التي أمر بها في أوكرانيا مستمرة، حتى تحقق أهدافها، ولا يعرف ما هي أهداف بوتين، إلا أن الأمريكيين يرون أن هدف بوتين هو إسقاط الحكومة الأوكرانية الحالية.

يأتي ذلك في وقت انتقدت فيه وسائل إعلام عالمية الحكومة الأمريكية، التي وجهت الدعوة إلى كييف لدخول حلف الناتو، ومن ثم لم تتدخل في صد الهجوم على أوكرانيا، وظهر كثير من التعليقات التي اتهمت واشنطن ودول أوروبا بالتخلي عن كييف.

هروب أهالي كييف

بدأ الآلاف من السكان مغادرة العاصمة كييف، كما انطلقت صفارة الإنذار، وأظهرت الصور طوابير السيارات تسد أحد الطرق السريعة، مع فرار الناس من المدينة، ويصطف الناس في طابور أمام ماكينات الصرف الآلي لسحب الأموال، وفي محطات التزود بالوقود، وتشير مواقع التواصل الاجتماعي إلى شعور متزايد بالذعر، إذ قال بعضهم إنهم يُدفعون إلى الملاجئ والطوابق السفلية. وأظهرت لقطات تلفزيونية أشخاصا يصلون في الشوارع، متجمعين في مجموعات.

تنديد أمريكي

في الساعات الأولى من صباح أمس، استيقظ العالم على أخبار الاجتياح الروسي لأوكرانيا، وسرعان ما بدأت أخبار التنديد والاستنكار تظهر على ألسنة القادة الأوروبيين، وكذلك البيت الأبيض، حيث ندد الرئيس الأمريكي جو بايدن، بما سماه «هجوما غير مبرر للقوات العسكرية الروسية».

وشدد على أن الولايات المتحدة وحلفاءها وشركاءها، سوف يردون بطريقة موحدة وحاسمة، «وسيحاسب العالم روسيا».

كما انتقد ما قام به بوتين وقال: «لقد اختار الرئيس بوتين حرباً مع سبق الإصرار، من شأنها أن تؤدي إلى خسائر فادحة في الأرواح ومعاناة بشرية».

وشدد بايدن على أن روسيا وحدها هي «المسؤولة عن الموت والدمار الذي سيحدثه هذا الهجوم».

وعلق رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، على الهجوم الروسي وقال إن بريطانيا وحلفاءها سيردون بشكل حاسم.

وأضاف جونسون إنه «فزع من الأحداث المروعة في أوكرانيا» وأن الرئيس الروسي «اختار طريق إراقة الدماء والدمار بشن هذا الهجوم غير المبرر».

وأكد أنه تحدث إلى رئيس أوكرانيا لمناقشة كيفية الرد، ويعد باتخاذ إجراءات حاسمة من قبل المملكة المتحدة وحلفائها.

ارتفاع أسعار النفط والغاز

قفزت أسعار الغاز في أوروبا، خلال تعاملات الخميس، بنحو 35%، وتجاوز سعر العقود الآجلة للغاز مستوى 1400 دولار لكل ألف متر مكعب، كما ارتفعت أسعار النفط إلى أكثر من 100 دولار للبرميل لأول مرة منذ 7 سنوات، في أعقاب إعلان بوتين عن العملية العسكرية في أوكرانيا.

وكان بوتين قد أكد في خطابه للشعب الروسي، على أن الاشتباكات بين القوات الأوكرانية والروسية «حتمية» و«مسألة وقت فقط».

عقوبات أوروبية

وأصدر الاتحاد الأوروبي قائمة بكبار المسؤولين الروس، الذين فرض عليهم عقوبات، وتشمل القائمة وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو، ووزير الاقتصاد مكسيم ريشيتنيكوف، والقائد العام للبحرية الروسية، وكذلك القائد العام للقوات البرية الروسية، كما فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على مارجريتا سيمونيان، رئيسة تحرير شبكة روسيا اليوم الإخبارية، التي تصدر باللغة الإنجليزية.

وكانت أوكرانيا قد طلبت من مواطنيها مغادرة روسيا لأن «العدوان الروسي المتصاعد»، قد يحد من المساعدة القنصلية لهم فيما بعد، ويعيش نحو مليوني أوكراني بشكل دائم في روسيا، ويعتقد أن مليونا إلى مليوني أوكراني آخرين، يقيمون هناك كعمال مهاجرين. وقال الجيش الأوكراني إنه استدعى جميع جنود الاحتياط، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و60 عاما، لمدة أقصاها عام واحد.

ودخلت حالة الطوارئ لمدة 30 يوما في جميع أرجاء البلاد، ما عدا المنطقتين الانفصاليتين، حيز التنفيذ في منتصف ليل الأربعاء صباح الخميس بالتوقيت المحلي، وتشمل حالة الطوارئ فحصا شخصيا للوثائق، ومنع جنود الاحتياط العسكريين من مغادرة البلاد، ومنح الحكومة سلطة فرض حظر تجول.

وجاءت الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها أوكرانيا، في الوقت الذي تعرضت فيه لهجوم إلكتروني واسع النطاق يوم الأربعاء، مما أثر على المواقع الحكومية والبنوك.

توقف المباحثات

وفي مجال المباحثات السياسية، توقفت ترتيبات خاصة بمزيد من المباحثات، حيث ألغى وزير الخارجية الفرنسي، ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين الاجتماعات المخطط لها مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف.

وتلقى زعماء الاتحاد الأوروبي دعوة لحضور قمة استثنائية في بروكسل، يوم الخميس لمناقشة الأزمة، وفي رسالة إلى أعضاء المجلس الأوروبي، قال الرئيس شارل ميشيل: «الأعمال العدوانية التي تقوم بها روسيا تنتهك القانون الدولي وسلامة أراضي أوكرانيا وسيادتها، كما أنها تقوض النظام الأمني الأوروبي».

واستدعى الاتحاد الأوروبي السفير الروسي، لدى التكتل لإبلاغه بـ«إدانته الشديدة» للهجوم على أوكرانيا، وفق ما أعلن جهاز السياسة الخارجية للاتحاد في بيان.

وجاء في البيان أن السفير الروسي فلاديمير تشيزوف، تبلّغ بالإدانة لـ«غزو القوات المسلّحة للاتحاد الروسي غير المبرر لأوكرانيا»، وطُلب منه إبلاغ موسكو بطلب بروكسل وضع حد فوري للعمليات العسكرية.

وأكدت وزارة الخارجية الأوكرانية اليوم، أنها استدعت القائم بالأعمال الممثل لها في روسيا للتشاور، وبدأت في إخلاء سفارتها في موسكو، وفي وقت سابق بين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أن كييف قطعت العلاقات الدبلوماسية مع روسيا، بعد أن شنّت هجوما كبيرا في وقت سابق اليوم على بلاده.

حظر تجول

وأعلن رئيس بلدية كييف فيتالي كليتشكو الخميس، فرض حظر تجوّل ليليًا في العاصمة الأوكرانية، بهدف الحفاظ على «أمن» السكان، بعد ساعات من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، وقال في بيان إن «حظر التجوّل سيمتدّ من الساعة 22.00 حتى الساعة 07.00» مشيرًا إلى أن وسائل النقل العام، لن تعمل خلال هذه الفترة لكن محطات المترو ستبقى مفتوحةً، لاستخدامها كملاجئ في حال وقوع ضربات عسكرية.