تعرفتُ على التهاب العضلات الليفي (الفايبرومايالجيا) لأول مرة من خلال إحدى زميلات الدراسة، كانت جزءا من مجتمع ذوي الإعاقة في الجامعة وتحمل سيارتها ملصقا للمعاقين، لكنها تبدو لعيني المجردة سليمة ولا تتصف بما أعرفه عن الإعاقة، عندما تغيبتْ لفترة عن الحضور وتواصلت معها للاطمئنان عليها أخبرتني أنها تعاني من نوبة شديدة من نوبات الفايبرومايالجيا، وهنا أدركت لأول مرة معنى الجملة المكتوبة على منشآت المعاقين (ليست كل الإعاقات مرئية).

تتسلل الفايبرومايالجيا إلى حياة الإنسان من دون مقدمات، وخصوصا النساء بنسبة 7 سيدات لكل رجل، وتحيل حياة من تتمكن منه إلى تساؤلات مضنية وآلام مزمنة لا تفسير لها، فالتحاليل لا تظهر أي أرقام غريبة يعتد بها، والأشعة طبيعية، والفحص السريري سليم، لكن أطباء الروماتيزم يستدلون عليها بدراسة تاريخ الحالة المرضي.

وبحسب المصادر، لا يوجد علاج لهذه الحالة حتى الآن إلا بالسيطرة على أعراضها والتعايش معها ليستمر المريض في أداء واجباته اليومية، وذلك باستخدام مضادات الألم وجعل التمارين الرياضية جزءا من الروتين اليومي، وتعلم تقنيات الاسترخاء وتخفيف التوتر، وبطلب المساعدة والدعم من المتخصصين والمقربين.

وفي رأيي أن أول خطوة في دعم المصابين هي إعادة توصيف الحالة وتصنيفها كإعاقة، فملف ذوي الاعاقة في موقع وزارة الصحة لا يشير إليها بشكل صريح على الرغم من انطباق تعريف الإعاقة عليها بشكل كبير، كما أن دولا أخرى كالولايات المتحدة وبريطانيا تصنف الحالة كإعاقة في نظام العمل والتأمينات الاجتماعية، فعلى سبيل المثال، أقر البرلمان البريطاني تصنيفها كإعاقة في عام 2019 وهذه مقارنة مرجعية يعتد بها.

إن هجمات الفايبرومايالجيا الموجعة لا يمكن التنبؤ بوقتها أو شدتها أو مرات تكرارها، وترافق المصاب من عمر مبكر مما يؤثر على إنتاجيته بالضرورة ويرافق هذا ما يرافقه من إحباطات شخصية، لذا فإنه من الضروري النظر في الفايبرومايالجيا وتصنيفها كإعاقة في الجهات المعنية محليا، سعيا لدعم تكافؤ الفرص، وتحسين جودة الحياة للمصابين ودعمهم في التعايش مع حالة تسيطر عليهم رغما عنهم ويصعب استيعابها سواء منهم أو من المحيطين بهم.

ولعل الوزارة مشكورة تقيس كذلك مدى معرفة المجتمع بهذه الحالة وأعداد المصابين بها بيننا على مستوى القطاعات الثلاث، ونسب استبقائهم، وتضع خططا لنشر الثقافة الصحيحة حول الفايبرومايالجيا وغيرها من الإعاقات غير المرئية، ووضع أدلة مكتوبة للعمل مع هذه الحالات، لأن العديد من المصابين لا يجدون من يستمع لشكواهم، وقد يتهمون بالمبالغة سواء داخل مقرات عملهم أو أسرهم أو حتى من بعض الأطباء، مما يزيد من عزلتهم بسبب العجز أو الغضب والشعور بالذنب، وهذه العزلة تتسبب في التوتر والإصابة بدرجات مختلفة من الاكتئاب الذي يعتبر أساسا من الأعراض النفسية المصاحبة للفايبرومايالجيا والتي تزيد من حدة النوبات.

إن السبب الأهم للكتابة عن هذا الألم الغامض اليوم هو اقتراح تنظيم حملة صحية وطنية لتعريفه وللتعرف عليه، وإنشاء جمعيات أهلية تدعم المصابين، وتخفف عنهم وحدتهم والخسائر المادية التي يتكبدها البعض منهم في سبيل العلاج، كما أدعو وزارتي الصحة والموارد البشرية والتنمية الاجتماعية لاحتواء المصابين وعدم السماح بممارسة أي شكل من أشكال التمييز المهني أو الاجتماعي ضدهم عملا باتفاقية حقوق ذوي الإعاقة التي تعد المملكة جزءا منها، والتي تنص على عدم التمييز جراء أي شكل من أشكال الإعاقة، وإذا آمنا أن الإعاقات ليست كلها مرئية، فالمعوقات وآليات التمييز أيضا ليست كلها مرئية، ولا بد أن نحرص دائما أن نسبقها بخطوة.