منذ الإعلان عن تأسيسها قبل ما يقرب من عامين ظلت المنصة الوطنية للعمل الخيري «إحسان» تمثل أبلغ معاني النجاح في الاستغلال الأمثل لمخرجات الذكاء الاصطناعي لترتيب وتنظيم شؤون الحياة العامة، والاستفادة الكاملة من عناصر التحول الرقمي في الواقع المعاش، حيث أسهمت المنصة التي ولدت عملاقة في تخليص هذا الجانب الخيري الحيوي من جميع ما علق به خلال الفترة الماضية من قصور، وتوجيه الإسهامات الإنسانية الكبيرة للشعب السعودي نحو مصارفها بدقة متناهية، والتأكد من عدم تسربها لأي جهة متطفلة تريد أن تعتاش مما يجود به أهل الخير والإحسان وحرمان الفقراء واليتامى والأرامل منه.

التفاعل الكبير الذي حظيت به المنصة منذ إعلان مولدها، والذي تتجلى أبلغ دلائله في وصول مبالغ التبرعات إلى ما يزيد على مليار و300 مليون ريال، استفاد منها أكثر من 3 ملايين مستفيد ومستفيدة، وصلتهم التبرعات وحصاد الخير وهم في ديارهم، أعزاء مكرمون، دون أن يتكبدوا مشقة السؤال أو إهدار كرامتهم.

أول من أمس الاثنين كان يوما مشهودا في تاريخ العمل الإنساني، حيث بادرت المنصة بتكريم المحسنين الذين تفاعلوا معها وتوجيه الشكر لهم، عرفانًا بإسهاماتهم وتطبيقا لقوله صلى الله عليه وسلم «من لم يشكر الناس لم يشكر الله»، فتنادى أهل الخير من كل حدب وصوب، ليس بحثًا عن فلاشات إعلامية أو أضواء، بل تتويجًا لعام كامل من العطاء والبذل.

ولأن حب الخير يسري في عروق أهل هذه البلاد وشرايينهم، لذلك لم يكن غريبا أن تحقق المنصة الفتية كل هذا النجاح، فكان الحفل الرائع الذي ازدان وازداد روعة بالرعاية الكريمة التي حظي بها من صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي كان له - بعد الله سبحانه وتعالى - الفضل في إنجاح عمل المنصة، بعد أن تقدم بفكرتها، ودعمها بمبلغ سخي، وبادر إلى ربطها بالهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، ترجمة لمساعيه المتواصلة لتحقيق التحول الرقمي الكامل الذي نادت به رؤية المملكة 2030.

بدءا فإن المنصة عالجت خللا مزمنا كان يخرج العمل الخيري من إطاره ويفقده مضمونه ويقلل من آثاره الإيجابية، يتمثل في الاستغلال الذي يتعرض له كثير من الخيرين الذين كان مساهماتهم تتسرب لجهات مشبوهة أبعد ما تكون عن مقاصده النبيلة.

إضافة إلى أن المبالغ الضخمة من أموال التبرعات كانت تفتقد إلى الضبط المالي المطلوب مما يجعلها عرضة لبعض ضعاف النفوس. لذلك فقد حققت المنصة أهم أهدافها المتمثل في اتباع أساليب الحوكمة وتعزيز قيم المساءلة والشفافية، والابتعاد عن كل ما يقود إلى الشبهات والريبة.

والمتأمل لفكرة المنصة يجد أنها في الأساس عبارة عن حالة إبداعية متكاملة، تجسد القدرة على استصحاب تجارب الماضي ومعطياته وتغيرات الحاضر واحتياجاته، فإذا كانت مجالات العمل الخيري في السابق تقتصر على تقديم المأكل والمشرب والملبس، فقد تزايدت هذه الاحتياجات في الوقت الحالي وتشعبت وتنوعت، وباتت تشمل مجالات لم تكن معهودة في الماضي.

المنصة اهتمت بهذا التنوع وأخرجت العمل الخيري من التقليدية والروتين، وركزت على الجوانب التي تعين الأسر على الوصول إلى مرحلة الاعتماد على النفس والتحول من حالة الاحتياج إلى حالة الاكتفاء، وهو ما يعني الاستدامة. ومن المجالات الجديدة التي شملتها المنصة باهتمامها أجهزة المكفوفين المحتاجين، وأدوية الأطفال المُصابين بالسكري، وترميم وتأثيث منازل المحتاجين، وتزويج الأيتام، والرعاية الصحية للمسنين، وكراسي الحركة لذوي الإعاقة، وجلسات غسيل الكلى. إضافة إلى خيام الإيواء والإسكان، وحقائب الدفء الشتوية، والأطراف الصناعية لضحايا الحروب، وتجهيزات المدارس، والعمليات الجراحية المتخصصة.

كذلك فقد أسهمت «إحسان» في رفع وعي الناس وثقافتهم بالعمل الخيري والإنساني وكيفية المشاركة الفاعلة فيه بما يحقق الأهداف المرجوة منه، واهتمت بتكثيف التواصل معهم لتزويدهم بأحدث المستجدات المتعلقة بأنظمة ولوائح التبرع في المملكة، وتعريفهم بالقنوات المختلفة التي يمكنهم استخدامها لدعم المنظمة أو المؤسسة التي يفضلون التعامل معها.

هذه الرؤى المتقدمة ساعدت في تعزيز قيم العمل الإنساني لأفراد المجتمع، وتمكين القطاع غير الربحي وتوسيع أثره، وتفعيل دور المسؤولية الاجتماعية في القطاع الخاص، وزيادة مستوى الموثوقية والشفافية للعمل الخيري والتنموي. إضافة إلى الآثار الإيجابية التي انعكست على عمل المؤسسات الخيرية وأبرزها كيفية تنمية مواردها المالية.

أما النجاح الأكبر فهو يتمثل في أن المنصة تحولت إلى بوابة تقنية متكاملة، تستخدم أحدث مخرجات الذكاء الاصطناعي وتحمل رؤى غير تقليدية لضبط العمل الخيري وتنظيمه على نحو يعظّم عائداته ويبعدها عن الجهات المتطرفة التي كانت تعتمد عليه في تمويل عملياتها الإرهابية، حيث تستغل البسطاء والعامة بشعارات خادعة ومضللة.

كذلك كان لافتا حرص المنصة على تأكيد دورها كبوابة لتنظيم العمل الخيري، وأن وقوف القيادة الرشيدة خلف أعمالها هو دافع للآخرين للتبرع والمساهمة، وليس مبررا لإرغامهم بأي شكل من الأشكال، صراحة أو تلميحا، فالعمل الخيري هو فعل تطوعي يقوم به المواطن والمقيم من تلقاء نفسه، دون مزايدات أو إكراه.

هكذا هي الطريقة الحديثة التي تتعامل بها السعودية مع قضية العمل الخيري والإنساني في ظل رؤية المملكة 2030 التي لم تترك مجالا إلا وأحدثت فيه الطفرة المنشودة، وهكذا هي حالة الإجادة والتمكين السعودية التي نعيشها في العهد الحالي تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله - والتي دفعت بعض دول المنطقة إلى اقتفاء سيرة المنصة وطلب تفاصيلها لتطبيقها بعد أن أثبتت نجاحها الباهر.