استطاع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تشخيص حالة الإخوان المسلمين في تصريحاته الأخيرة، بوصف دقيق وقدرة فائقة، حيث قال ما عجز عنه الآخرون، وهو الحالة المرضية التي عانت منها دول الشرق الأوسط نتيجة ممارسات الفكر الإخواني، والتي نتج عنها التطرف، دون إغفال لخليط الأحداث بسرد تاريخي، يدل على أنه قائد قارئ لتاريخ المنطقة جيدا، وليس مفصولا عن واقعها المرير، يتحدث بطريقة أشبه بالجراح الذي شخص الحالة المرضية وقرر اجتثاث واستئصال المرض نهائيا، برؤية سياسية مشمولة بمفاهيم ثقافية ودينية، مغايرة تماما عن النمطية الفكرية التي قادت المنطقة بفترات سابقة، وهو ما كنا نحتاجه في ظل التطورات السياسية والاقتصادية والثقافية في العالم، فلا يكفي رؤية اقتصادية، بل نحتاج لمراجعة سياسية وتاريخية، تفضي إلى مفاهيم سياسية جديدة، تزيل عن كاهل المنطقة أفكارها الرجعية والمتخلفة، وتخلق بالوقت ذاته مفاهيم ثقافية جديدة، نستطيع مواكبة التطور الحضاري العالمي القائم.

نحن بحاجة إلى التغيير، وبحاجة لقائد يستطيع قيادة المرحلة المقبلة، ومن الواضح أن القائد ذو خلفية سياسية واقتصادية وثقافية، فحتى بحديثه عن العلاقة مع الأمريكان، كان الأمير ندا واضحا، فلم يقبل أن يعامل بسطحية سياسية أمريكية، المتبعة مع كثير من دول المنطقة والعالم، بل رمى الكرة في ملعب الأمريكان وحدد شروط اللعبة، فليست السعودية دولة هامشية، ولا تقبل الاستفزاز، الذي حاول البعض ممارسته عليها سابقا، بل مجددا كان ندا سياسيا مرتكزا على فهمه لطبيعته النابعة من منطقة الشرق الأوسط والجزيرة العربية التي تعتمد في مكنونها السياسي على معتقدات إسلامية وقبلية وعربية، منطلقة بذات الوقت نحو الانفتاح والسلام، وهو ما جعل دول العالم المتصارعة الآن تلجأ له، لتطلب وساطته بثقله السياسي بما يمثل.. لحل أزمة أوكرانيا مثلا، أو أن تسارع لعقد اتفاقيات ثنائية مع المملكة لوضوحها السياسي واستقرارها الاقتصادي ورؤيتها المستقبلية، فلا يخفى على أحد سعي الكثيرين للتوافق مع رؤى أفكار السعودية لقضايا الإقليم والعالم.

وحتى في القضية الفلسطينية، كان الأمير منسجما مع الموقف الرسمي العربي، كون السعودية صاحبة المبادرة العربية للسلام، لا تطبيع مع إسرائيل دون حل للقضية، وهو ما يعطي دفعة للفلسطينيين، الذين يسعون لبقاء قضية العرب المركزية في سلم الاهتمام الدولي.

وفي الجانب الآخر.. تحدث الأمير عن إيران، وسياسة المملكة الواقعية في الوصول إلى السلم والأمن الإقليمي، مما يحقق الاستقرار والتعايش في المنطقة، ومجددا دون تهويل أو مبالغة في ردة الفعل، حدد الأمير مستوى العلاقة بين المنطقة ككل وطموح إيران النووي، فالسعودية وخلفها المنطقة برمتها تدعم الوصول إلى اتفاق نووي مع إيران على أسس قوية، يحد من طموحاتها السياسية. المقابلة.. غنية بالأفكار والرؤى.. وحققت الهدف السياسي المرجو منها، وحددت مستوى الواقعية السياسية التي يتمتع بها الأمير نحو المنطقة من جهة، والعالم من جهة أخرى، وأكدت أن الأمير لا يفكر ولا ينطق عبثا، بل إن هناك تخطيطا واضحا يجري على قدم وساق، للوصول الى منطقة شرق أوسط تتمتع باقتصاد قوي يفضي إلى استقرار سياسي قائم على مفاهيم ثقافية واجتماعية، تتناسب مع معتقداتنا وتراثنا محددة بهويتنا العربية الإسلامية.. أما المطلوب فهو دعم الأمير والمملكة على المستويات الرسمية والشعبية، فهي ليست معركة الأمير فقط بل معركة الشرق الأوسط أجمع.