ساوى الإسلام بين المرأة وبين الرجل في جميع الحقوق إلا فيما يختص بمسؤولية القيام على الأسرة والإنفاق عليهـا وتحمل مسؤولياتها أخلاقيًا ودينيًا واجتماعيًا، وهذا الاستثناء يقوم على الخصائص الطبيعية التي يتميز بها الرجال والنساء، وهذا التوزيع في الاختصاصات في صالح المرأة وصيانـة لها من تحمل أعباء ومسؤوليات النفقة على نفسها وأولادهـا ومسؤوليات شؤون الحياة التي تستدعي مشقة في القيام بها، خاصة مسؤولية تربيـة الأبناء وصيانتهم من التعرض لمساوئ الإنحراف والتعـرض للضيـاع.

وقد أوضح القرآن الكريم أساس هذه المساواة بين الرجل والمرأة بقوله تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحـدة وخلق منهـا زوجها وبث منهما رجالًا كثيرًا ونساء).

وقول الرسول الكريـم عـليـه الصلاة والسلام «إنما النساء شقائق الرجال». فالآيـة تنـص على التكافؤ والوحدة في الخلق مما يجعل المساواة في الحقوق أمـرًا طبيعيًا وحقًا ثابتًا.. وفي الحديث نفي تميز أحد الجنسين على الآخـر ، والآية الكريمة التي توضـح هـذه الحقـوق هـي قوله تعالى: (ولهـن مثـل الـذي عليهـن بالمعروف وللرجال عليهن درجة)، وهذه الدرجة هي ما يطلع به الرجـل من مسؤوليات اجتماعية ثقيلة في العمل والكسب للإنفاق على الأسـرة وحمايتها من التعرض لأي أذى أدبي أو بدني أو تخلف اجتماعي.

ومما تقدم نتأكد أن الإسلام حفظ للمرأة حقها في المساواة بالرجل في الحقوق عامة، ومساواتها للرجل في الإنسانية، ومساواتها للرجل في معاني الكرامة والحرية – هذا بالمقارنة إلى ما عانتـه المـرأة مـن ضياع في شريعة الرومان وما وصـل إلـيـه وضـع المرأة في بعض الندوات الدينية في القرون الوسطى من شكوك في إنسانيتها وطبيعة روحها - فلم تكن المرأة في شريعة الرومان معترفًا لها بأية أهلية حقوقية ولذلك كانت توضع تحت الوصاية الدائمة – وصاية الأب أو الزوج،ولا تملك حرية في تصرفاتها، وكانت تورث كما تورث المخلفات التي يتركها المتوفى بعد وفاته.

فالمرأة في الشريعة الرومانيـة فـاقدة لشخصيتها ومحرومة مـن كـل اعتبار لحرية تصرفاتها - وهـذا مـا امـتـدت أثـاره حتى اليوم في بعـض القوانين المتأثرة بالحقوق الرومانية.

وقد عرف عن وضع المرأة في بعض الندوات الدينية في القرون الوسطى، الشك في إنسانيتها وطبيعـة روحها، وهـل هـي تتمتـع بـروح كـروح الرجـل أو أن روحهـا كـروح الحيوانات، بـل إن أحـد هـذه الاجتماعات في روما قرر عن المرأة أنها لا روح لها على الإطلاق وأنها لـن تبقى في الآخرة.

وكذلك كان بعض عرب الجزيرة العربية يدفنون بنـاتهم أحياء ساعة ولادتهم بقول القرآن الكريم (وإذا بشر أحدهـم بـالأنثى ظل وجهه مسودًا وهو كظيم يتوارى من القـوم مـن سـوء مـا بشـر بـه أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون).

وقد غير الإسلام أخلاق العـرب تغيرًا جذريًّا فحبب إليهـم الإيمـان بـكـل تعاليمـه السامية وزينه في قلوبهم وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، وجعلهم من الراشدين القادرين على تحمل رسالة الدين ونقلها إلى العالم.

وهكذا جاء الإسلام منقذًا للمرأة من الوضـع السـيء الـذي كـانت تعانيه في العصور الوسطى فحقق لها الأمور التالية:

1- حقق لها كامل إنسانيتها كالرجل وذلك هو معنى قول الرسـول عـليـه الصلاة والسلام «النساء شقائق الرجال».

2- وحقـق لهـا كـامل أهليتها في جميع حقوقهـا وتصرفاتها في التملـك والبيع والشراء والزواج من غير وصاية عليهـا أو تحديد في تصرفاتهـا متى كانت رشيدة.

3- وجعل حق الأم حقًا ثابتًا رفع به مقامها إلى أرفع المستويات، فقد سأل الرسول صلى الله عليه وسلم سائل فقال له من أحق الناس بحسن صحبـتي قال له أمك، قال ثم من، قال أمك، قال ثم من، قال أمك، قال ثم مـن قال أبوك. وفي حديث آخر «أن الله يوصيكم بأمهاتكم ثـم يوصيكـم بأمهاتكم ثم يوصيكم بأمهاتكم ثم يوصيكم بالأقرب فالأقرب.».

وفي حديث آخر «الجنة تحت أقدام الأمهات».

1974*

* أديب ووزير سعودي سابق «1910- 2012»