في روايتها الجميلة «الأرض الطيبة» اختارت الكاتبة الأمريكية «بيرل باك» الصين مسرحا لروايتها والصينيين أبطالا لها، وجعلت من المجتمع الزراعي في الصين خلفية لهذه الرواية التي تصور الحياة اليومية للمزارعين وعلاقتهم بالأرض وتحكي قصة بطل الرواية وانغ لانغ وأسرته.

لعبت زوجته الفقيرة «أولان» دورا محوريا في الرواية كونها تمثل الصورة النمطية للزوجة المطيعة في ظل المجتمعات الزراعية المعتمدة كليا على ما تنتجه الأرض.

عاشت مؤلفة الرواية بيرل باك جزءا كبيرا من حياتها في الصين، ما يجعلنا نقول إنها مضطرة للكتابة عن المجتمع الصيني لأنها تعرفه جيدا وتشربت ثقافته وتأثرت بها، هذا ما يجعل كتاباتها عن المجتمع الصيني تحمل نوعا من الحقيقة مع أنها لا تخلو من تحيزات الكُتاب الغربيين عندما يكتبون عن المجتمعات الآسيوية وكأنها مجتمعات غريبة بل وشريرة أحيانا.


بدأت علاقة بطل الرواية وانغ لانغ مع زوجته قليلة الجمال أولان، عندما فرض عليه والده العجوز الزواج بها، وكيف اعترض وانغ لانغ على هذا الزواج لقلة حظها من الجمال.

يقول أبوه صارخا في وجهه بعد أن رأى أساريره الغاضبة: «وما حاجتنا إلى امرأة جميلة؟ إننا نريد امرأة تدبر شؤون المنزل وتنجب الأولاد فيما هي تعمل في الحقول، ومتى كانت المرأة الجميلة أهلا للنهوض بهذه المهمة، إن الجميلات من النساء لا هم لهن إلا التفكير في الملابس التي تلائم وجوههن وتنسجم معها».

شخصية أولان قليلة الجمال، الزوجة المطيعة التي تعمل في الحقول بلا انقطاع تحت سلطة زوجها، وتعود للعمل في الحقول بعد ولادة مولودها مباشر وفي نفس اليوم.

إنها الصورة النمطية للمرأة في المجتمعات الزراعية باختلاف الزمان والمكان والثقافة والدين، شخصية أولان الصينية تمثل المرأة الكونية في عصر الزراعة، المرأة في الريف الصيني والريف الأوروبي والريف المصري.

إن تقسيم العمل في المجتمع الصيني يقارب إلى حد كبير تقسيم العمل في أي مجتمع آخر حتى مع تباعد الثقافات والأديان والمواقع الجغرافية، ومكانة المرأة في كل المجتمعات الزراعية تكاد تتشابه حد التطابق، مع أن المجتمعات الزراعية مجتمعات منغلقة لا تتمتع بالتعددية الدينية أو الثقافية، وبالتالي لا يوجد احتكاك ثقافي بينها وبين أي ثقافات أخرى، إلا في حالات الحروب الكبرى التي ينتج عنها تغير نوعي في التركيبة السكانية.

والسؤال الذي يتبادر للذهن هنا: من المسؤول عن إنتاج شخصية الزوجة المطيعة كشخصية أولان في الأرض الطيبة لبيرل باك أو شخصية أمينة في ثلاثية نجيب محفوظ، وهل العادات والأعراف الاجتماعية والثقافية تصنع هذه الصورة النمطية للمرأة في المجتمعات الزراعية؟

يعتقد أنصار الدراسات الجندرية (gender) أن المرأة يتم تحديدها اجتماعيا بمعنى أن مهمة الدراسات الجندرية يتمثل في وصف خصائص الرجال والنساء المحددة اجتماعيا مقابل الخصائص المحددة بيولوجيا.

ويعتقد المؤمنون بصحة النظريات المتعلقة بالجندر أن المعيار والبعد التحليلي لأي أدوار تناط بالمرأة أو بالرجل ينظر لها من منظور اجتماعي، وحالة أولان تعكس خطأ هذا المعتقدات لأن شخصية أولان تمثل المرأة الكونية في كل المجتمعات الزراعية باختلاف ثقافاتها وأديانها.

إذن من يحدد أدوار ومكانة المرأة إذا لم تكن العادات والأعراف الثقافية والاجتماعية هي المحدد الرئيس لمكانة المرأة وأدوارها الاجتماعية؟ هناك علاقة جدلية بين التطورات الاقتصادية والتطورات الاجتماعية، فهل الأعراف والعادات الاجتماعية تحدد حركة الاقتصاد، أم أن الاقتصاد هو المنظم لحركة المجتمع؟

بلا شك أن تأثير العادات والأعراف الثقافية ضئيل جدا على حركة الاقتصاد وقيمه ومبادئه، فالعادات والتقاليد لا تملك القوة لتحدد تقسيم العمل في أي مجتمع كان، وهذا يعني أن القول بأن التصور الاجتماعي هو من يحدد خصائص الذكورة والأنوثة، ليس له نصيب من الصحة، ويعني أن الجندر الذي يمثل حجر الأساس في الفكر النسوي عاجز عن تفسير أسباب الفوارق الاجتماعية بين الجنسين.