استكمالا لـدور مدينة الرياض كعاصمة للبلاد قـررت حكومة المملكة العربية السعودية نقل مقـر وزارة الخارجية والبعثـات الدبلـوماسية من جــدة إلى الريـاض، حيث تم اعتماد خيار تطوير حي جديـد يشمل مخططا عاما لمواقع السفارات ويتيح الفرصة لأنشطة تجارية واجتماعية ولتجاور مساكن الدبلوماسيين والمواطنين وغيرهم، مع إيجاد كامل المرافق والخدمات اللازمة.

اختير لحي السفارات موقع مناسب غرب مدينة الرياض بموقع متميز على وادي حنيفة وهو أكبر أودية المنطقة، ويحيط بالموقع أهم المقرات على مستوى المدينة مثل مقر الديوان الملكي ومجلس الوزراء ومجلس الشورى وجامعة الملك سعود ومستشفى الملك خالد للعيون، كما يبعد ستة كيلومترات عن وسط المدينة، وتم البدء في المشروع في عام 1399هـ الموافق 1978، وتم الانتهاء من بناء الحي ومرافقه عام 1403هـ الموافق 1982.

تميز حي السفارات خلال الأربعين سنة الماضية بتجاوبه السريع والمرن للمتغيرات والمراحل التي مر بها، حيث حددت تلك الفترات مدى المرونة التي يتميز بها الحي، على الرغم من أن المرونة هي مؤشر يطبق على المدن كتجمع عمراني مناسب يحقق أغلب المعايير، ويمكن تقسيم تلك الفترات إلى ثلاث مراحل أساسية:

بداية من بعد فترة إنشائه حيث كان الحي متنفسا عاما لسكان الرياض لقضاء عطلة نهاية الأسبوع والتنزه والاستمتاع بمرافقه الحديثة والمتكاملة وتصميمة الجذاب، الذي جعل منه مقصدا هاما للعائلات في ذلك الوقت، فبالرغم من أن الهدف الأساسي من إنشاء الحي في المقام الأول هو إيواء السلك الدبلوماسي إلا أنه تم مراعاة وضع التكوين السكاني داخل الحي والخدمات العامة لضمان الانتماء، وللحد من الميول الانعزالية التي قد تنشأ في المناطق التي يغلب العنصرالأجنبي فيها، وأن يكون حي السفارات هو حلقة في سلسلة النمو الحضري لمدينة الرياض.

تلك الفترة المرحلة الثانية بعد الأحداث الإرهابية عام 2003م التي استهدفت المناطق المأهولة بالأجانب في المدينة، أصبح هناك تشديد أمني للحي الدبلوماسي وتحويله من منطقة عامة إلى منطقة خاصة آمنة، وبالرغم من أنه كان من أكثر المواقع في المدينة المهددة أو المستهدفة إلا أن الحي كان من أكثر المناطق استقرارا وأمنا لقاطنيه، وقد كان التخطيط الجيد للحي واختيار موقعه من أهم العوامل التي ساعدت في سرعة تحوله والسيطرة عليه، حيث إن الحي يحتوي على مدخلين فقط ويحيط بالحي من الجهة الشمالية والغربية وادي حنيفة، مما يجعل منه محددا طبيعيا قويا يعمل كمنطقة عازلة، مع توفير جميع المرافق والخدمات التي تحقق الاكتفاء الذاتي للحي، ومنها برجا تخزين المياه الصالحة للشرب بسعة 5000 متر مكعب ومياه الري داخل الحي بسعة 14000 متر مكعب.

ومؤخرا يشهد الحي تحولا استثماريا ملفتا في مرحلته الثالثة الحالية، حيث بدأت المجمعات التجارية والفنادق والمطاعم وغيرها في المنافسة للحصول على فرص استثمارية في حي السفارات الذي أصبح من أفضل الفرص استثمارا من ناحية البنية التحتية والتخطيط والتصميم العمراني، والذي لعب دورا مهما في تسهيل عرض الخدمات والمنتجات باختلافها، ويمكن ملاحظة ذلك في المحلات التجارية عندما تتجول في داخل الحي بتميز المتاجر، برغم أن المستثمر لا يضع ذلك الجهد الكبير في التصميم الداخلي إلا أن التصميم المسبق وتوزيع الأنشطة جعلا من العملية تكاملية ومميزة وبسيطة.

وكما ذكرت يعتبر مفهوم المرونة أحد أهم التوجهات المعاصرة في التخطيط للمدن ،وذلك لما تتعرض له المدن من جوائح ومخاطرعديدة أهمها التغيرات البيئية، الاقتصادية، والمجتمعية وغيرها من التغيرات المتوقعة وغير المتوقعة بالمدينة، وعناصرها الحضرية التي قد تهدد استقرار المدن، إلا أن الأحياء هي من أهم مكونات المدن والتي من المثير للاهتمام أن يكون لها معايير ومؤشرات تمكننا من تقييمها على المقياس المناسب لها، وبالتالي سيتبادر لأذهاننا سؤال منطقي، كم نحتاج لحي مرن ومتكامل بالنسبة للمدينة؟.