يزور بعض أهالي حائل، أبها كل يوم.

قد يبدو هذا غريبًا.. فالمسافة بين المدينتين تتخطى الـ1300 كلم، لكنها لا تقطع على الأرض فعليًّا، وإنما يقطعها الحائليون باتجاه محل ارتبط بذاكرتهم يحمل اسم أبها، قاطعين أحيانًا مسافات طويلة للوصول إليه، وذلك في طقس يومي، وهو الذي يعد واحدًا من أشهر المحلات في شارع عثمان بن عفان حاليًا، إلى جانب محلات أخرى مثل المضياف وغيرها.

ويسرد الحائليون ذكريات وقصص كثيرة عاشوها مع محلات الشارع، وطقوس شراء الوجبات منها، فقد دأبوا على شراء طلباتهم من محلات الوجبات السريعة في الحي، حيث يأخذون منها سندويتشات الشاورما ويتوجهون إلى شارع مواز لشارع عثمان بن عفان، عُرف سابقًا باسم شارع القراطيس نسبة للمخلفات التي كان رواد الشارع يتركونها سابقًا، وإن كان الوضع قد اختلف كثيرًا في الوقت الحالي، حيث بات الجميع أكثر وعيًّا تجاه التعامل مع المخلفات.

موقع متميز

تقع تلك المحلات التي ارتبطت تاريخيًّا بأذهان الحائليين مجاورة لمواقع الترفيه في منطقة حائل سابقًا، وهي محلات أشرطة الفيديو وأيضًا محلات التسجيلات الصوتية، قبل أن تُقفل جلّ هذه المحلات وتتحول إلى أنشطة أخرى.

ويؤكد المقدم المسرحي، الناشط على منصات التواصل الاجتماعي تركي الحمدان، وهو من أهالي حائل، وفي أواخر العقد الثالث من عمره أنه ما يزال ومنذ أكثر من 20 سنة مواظبًا على ارتياد محلات الوجبات السريعة في شارع عثمان بن عفان حاليًا، والتي تعد من أكثر المحلات شهرة في حائل، وهي موجودة منذ أكثر من 30 سنة.

وقال «لا نعرف هذه المحلات فقط، بل ونعرف كذلك حتى أسماء العمالة فيها، ونتوجه إليهم ما بين العصر إلى صلاة العشاء، ونطلب الطلب ونتوجه إلى شارع القراطيس المقابل لهم، ونقوم بتناول الوجبة أحيانًا داخل السيارة، وأحيانًا نترّجل من السيارة على الرصيف».

قبل الجوال

يستعيد الحمدان بعض الذكريات من تلك المحلات، ويقول: «قبل انتشار الجوال ووسائط التواصل الاجتماعي كان الموعد والملتقى في هذا الشارع لكل من تبحث عنه من أصدقائك».

ويشير إلى أن هذه المحلات تعد جزء من ذاكرة أهالي حائل في الثمانينيات والتسعينيات، وإلى وقتنا الحالي.

وشدد الحمدان على أنه من بعد العصر يزدحم الطريق بشكل لافت وكبير على هذه المحلات ويصطف كثيرون بالدور ليحصلوا منها على لفافة.

الأكثر شهرة

ينوه الحمدان إلى أن محلي أبها ومضياف من أكثر المحلات شهرة بالمنطقة، حيث يعرفهما الجميع، بل ويعرفون حتى العمال الذين يعملون فيهما بالاسم.

وعن سبب تسمية شارع القراطيس بهذا الاسم، قال «نسبة إلى كمية الورق الأبيض التي تُلف فيها الوجبات السريعة، وكانت تُرمى في الشارع بعد الانتهاء منها نتيجة لقلة وعي البعض حيث تتطاير هنا وهناك، واليوم مع ازدياد الوعي لم يعد هذا الأمر موجودًا».

الحنين

يقول ناصر الزامل إن «مطاعم الوجبات السريعة المنتشرة في حي الزبارة تعد جزءًا من ذاكرة الحائلين الذين يحرصون على زيارتها كلما عادوا إلى مدينتهم إذا ما غادروها للعمل أو الدراسة في أي مكان آخر، حيث يتعاملون معها بكامل طقوسها بدءًا من الطلب وصولًا إلى مكان الأكل شارع القراطيس».

ويجاور الشارع أقدم المستشفيات في منطقة حائل، وهو مستشفى حائل العام الذي يتجاوز عمره 70 سنة، ويقع على ناصية الشارع أيضًا جزء من الذاكرة الفنية للمنطقة، حيث تنتشر محلات التسجيلات الصوتية والأغاني، وأيضًا محلات الأدوات الفنية، وكانت كل هذه المحلات تحظى بإقبال كبير مع انتشار أشرطة الكاسيت الذي تزامن لاحقًا مع ظهور كثير من عمالقة الفن الشعبي مطلع ثمانينيات القرن الماضي وحتى وقتنا القريب.

وتتربع في قلب الشارع أيضًا ثانوية حائل للبنين إحدى أقدم الثانويات التي خرجت أجيالًا من أبناء المنطقة ممن تبؤوا مناصب وخدموا وطنهم.