الصيام والصوم كلاهما الإمساك عن شىء، بمعنى الامتناع عن الأكل والشرب والمفطرات، والامتناع عن لغو الكلام.

وبين الامتناعين قطع متجاورات من اليقين والسكينة، ولذة الطاعة للخالق -عز وجل- إلى جانب المعاني العظيمة، وأسرار ودروس وعبر يدركها من صام لله إيمانا واحتسابا.

وحين تطل بشائر رمضان تحوم حولها وحواليها ظواهر سلبية مزعجة، يتقدمها الإسراف في الشراء، وإهدار الطعام في البيوت، وعلى موائد الإفطار في المساجد، ويأتي غُثاء المسلسلات، وخواء رواة الذكريات الذين لا يحسنون سردها، وكذلك حراج المسابقات، وبهرجة صُناع الإعلانات، وسذاجة الحوارات بصخب هادر، وأمواج متلاطمة قد تغشى الأبصار، وتكاد تتلاشى معها روحانية الشهر.


ستبقى ضمائرنا تجلدنا بالأسئلة الصعبة، لعلنا نفيق من غفلتنا.. فماذا نحن فاعلون؟. لا بد أن نتوقف في رمضان عن استخدام الفعل الناقص «كان»، فلم يعد له رصيد في النفوس حتى نردد ببلاهة ذكريات «كان وكنا»، ولم نطبق في حاضرنا اليوم على الأقل أمام أبنائنا شيئا من تلك الذكريات الجميلة والعادات الأصيلة، ومنها التراحم والبساطة والإيثار، وعدم الإسراف، والقلوب البيضاء التي كان عليها جيل الآباء والأجداد الأنقياء الأتقياء.

هل ستُصيبنا العدوى من «البيتوتيين» المنعزلين المكتئبين الذين يُغلقون أبواب بيوتهم كل ما جاء رمضان، ويتسمرون أمام شاشات فضائيات تبث محتوى يحاصر النفوس، ويشتت الانتباه ويطفئ البهجة؟ وترى تواصلهم مع الآخرين إلكترونيا برسائل «لصق لزق»، كالحة مكررة باردة، خالية من كل المشاعر الإنسانية.

وإذا كنا نحرص على الامتناع عن الأكل والشرب طيلة أيام الشهر الكريم، فلماذا لا نجمع الصوم مع الصيام، ونحلق بأفئدتنا وأرواحنا في تواصل صادق مع الله، ونقطع صلتنا بالمستويات الرديئة والمفاهيم الفارغة، ومتابعة سفاهات وحماقات «الفاشات ومشاوير الفلس»، وكل ما يجرح النفوس الطاهرة، ويشوش على المعاني السامية لرمضان؟. لماذا لا نحرص في شهر الخيرات على إعادة التواصل بين الأُسر والأقارب، وزيارتهم في المنازل، وعدم التجمع ليلة واحدة في استراحة تنطمس معها مشاعر المحبة والألفة، ويكون الفصل فيها «حوارا جماعيا صامتا مع الهواتف النقالة»، وبعد طعام الإفطار يتفرقون، ولا أحد يسأل عن أحد حتى نهاية الشهر؟.

علينا أن نتدبر القرآن الكريم، وليس العبرة بعدد مرات ختم كتاب الله، وإنما كم آية عرفنا معناها وتفسيرها، وطبقناها في حياتنا.

علينا أن نتفقد احتياجات المعوزين، ونجبر خواطر المسنين، ونمسح بعطاء المال رؤوس الأيتام، وأن نزور الأصدقاء والزملاء، ونطمئن عليهم. علينا في رمضان أن ننشر الابتسامة والتفاؤل وسماحة النفوس، ونفشي السلام، ونقدم المساعدة لمن يستحقها، ونواسي كل محزون ومريض، ونستمر في ذلك طيلة شهور العام.

علينا في رمضان أن نقرأ ونتذكر السيرة العطرة لسيد الخلق نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، فهو القدوة الحسنة في الرحمة وحُسن الخُلق والإيثار والصبر، وطيب المعاملة والرفق، والإحسان للناس، وإدخال السرور والبُشرى كمنهج حياة. شهر رمضان فرصة كبيرة من الله الخالق -عز وجل- للإنسان حين مد في عمره، ليختبره كيف يستقبل هذا الضيف بما يستحقه من واجب الضيافة، وعظيم المسؤولية، وإطلاق خصال الخير، وتصحيح غفلة النفس، وإيقاظ الهمم، واستلهام مواقف وأحداث شهدتها أيام وليالي شهر الانتصارات عبر تاريخ الإسلام المجيد.

أليس جدير بنا في رمضان أن نحمد الله على ما أنعم به على وطننا الحبيب، المملكة العربية السعودية، من خيرات ورغد عيش في وقت يمور العالم مورا بمحن وفتن لا يعلم نهايتها إلا الله؟.

اللهم بلغنا شهر رمضان، ووفقنا فيه لكل خير، واجعله شاهدا لنا لا شاهدا علينا.. اللهم احفظ على بلادنا أمنها وأمانها واستقرارها.