وقتذاك، قالت المملكة كلمتها، وأمرت قوات درع الجزيرة بالقيام بواجبها لحماية المنامة.
ولم يكُن الاتفاق النووي الإيراني الموقع في جنيف عام 2015، برداً وسلاماً، خصوصاً أنه مقرون برفع العقوبات الاقتصادية عن دولة معروف تطرفها وإرهابها واعتمادها مشروعاً تخريبياً موسع، وفقاً لتقارير غربية وأمريكية.
لكن مع الوقت، ثبت بالدليل القاطع أن السياسة الأمريكية، لا سيما في عهد باراك أوباما، وجو بايدن، وهما يمثلان الحزب الديمقراطي الذي ينتهج سلوكاً يسارياً، ويدعو لتعزيز القيم التشاركية، ويجنح في الوقت ذاته للعنف والحرب، سياسة غير ناجحة وغير صادقة، وهو ما أعطى الرياض إشارات غير مطمئنة، عكس التي فهمتها إبان مرحلة دونالد ترمب– وهي الفترة الفاصلة بين عهدي أوباما وبايدن– خصوصاً أنه عارض فكرة الاتفاق مع طهران، بل وتجاوز ذلك حتى وصل لتمزيقه.
وخلال العامين الماضيين انحرفت بوصلة العلاقات السعودية- الأمريكية إلى مناح غير مفيد لواشنطن بالدرجة الأولى، واتضح عدم مراعاة التحالف الاستراتيجي بينها وبين السعودية، بل إنها وفي مواضع وشواهد عدة، سلكت مسلكاً انتهازياً بحق المملكة، كتعليقها لصفقات السلاح، إضافة إلى تعمد رفع اسم جماعة الحوثي الإرهابية في اليمن من قوائم الجماعات الراعية للإرهاب.
وخلال اليومين الماضيين أعاد صانع القرار الأمريكي التفكير في الشكل الناقص من الناحية السياسية والاستراتيجية، حيث لمحت بعض المصادر في واشنطن، إلى أن الإدارة الحالية تفكر في شطب أو رفع الحرس الثوري– الذراع العسكرية التي تتولى تنفيذ مهام النظام الإيراني الإرهابية– من قوائم الإرهاب.
والسؤال البديهي، وهو كيف يمكن لإدارة جو بايدن رفع الحرس الثوري الإيراني من القائمة الإرهابية، وقد قتلت إدارة ترمب، قائده بغارة جوية على مطار بغداد في الثالث من يناير 2020؟ ما المبرر لهذه الخطوة؟
أتصور أن الأمر محفوفُ برائحة حزبية من ناحية، وكأن السياسة الأمريكية باتت تعتمد على تصفية الحسابات مع الإدارة السابقة، والأهم من ذلك، أن هذا الإجراء محاولة «انتهاز غبية» تستهدف ابتزاز المملكة العربية السعودية التي ربما لم تنصت لرغباتها في ملف زيادة إنتاج النفط.، وهذا الملف بالمناسبة– أي زيادة إنتاج النفط– مرتبط بتعهدات معتمده في اتفاق أوبك بلس، وتلتزم به الدول الثلاث والعشرون الموقعة عليه، باعتباره عاملاً جوهرياً لاستقرار السوق النفطي، ويؤطر إنتاج النفط، ناهيك عن أن الرياض ملتزمة مع موسكو بموجب هذا الاتفاق وبقية الدول الأعضاء، بمُحددات الكميات التي يحتاجها السوق العالمي.
إذن بفهم ما ذكرت سابقاً، فيتضح أن الهدف من عملية الابتزاز تلك، هو محاولة لاختراق الارتباط الأخلاقي السعودي- الروسي، للوصول إلى إغراق سوق النفط بكميات وفيرة، تدفع لتدني أسعاره، مناكفة لروسيا، في وضع أشبه بنصب شراكٍ لموسكو بعد دخولها الحرب مع أوكرانيا.
وأجزم أن القيادة في المملكة فهمت التخطيط الأمريكي مبكراً، لذا لم تستجب لاتصالات عديدة من الإدارة الأمريكية التي انتدبت رئيس الوزراء البريطاني، والذي جاء هو الآخر يحاضر في حقوق الإنسان؛ وغادر من دون أدنى حصوله على أي وعود كان، هو ومن ابتعثه، يتصوران أن الرياض ستقدمها لهما على طبق من ذهب، وانكشف أنهما كانا يحلمان.
أذكر أني قد كتبت أكثر من مرة عن أن الغرب لديه معضلة كبيرة في فهم عقلية وذهنية صانع السياسة الحديثة في المملكة، وليست تلك العقلية هي من لديها الإشكالية في استيعاب تفكير الغرب، إنما تعي سياساته بالشكل الكلي والفردي.
وقد حاربوا ذلك الوعي السياسي السعودي الحديث في عدة مناسبات ومحافل وأحداث، والأمر ليس بحاجة إلى أدلة أو استذكار.
أعود للحديث عن إزاحة «الحرس الثوري» من قوائم الإرهاب، وأقول وأنا على ثقة، إنه سيأتي يوم ما، ويطال الولايات المتحدة الأمريكية، إرهاب هذه الذراع الإيرانية القذرة الملطخة أيدي صانعيه والعاملين به بالدماء البريئة.
حينها سيكون قد فات الأوان على إدارة بايدن المعتمدة على تصفية الحسابات من تحت الطاولة، وافتعال الخصومات مع الحلفاء بناء على الحزبية، والخوف كل الخوف من أن يُفهم إزالة هذا الفصيل من تلك القوائم، على أنه شرعنة لأعمال الإرهاب التي يضطلع بها، كوقوفه وراء الهجمات التي طالت في المملكة قبل أيام، أعياناً مدنية واقتصادية ونفطية.
يمكن استخلاص أن كثيراً من عواجيز السياسية في العالم الغربي، لا يزالون ضحية نرجسية يتصور من تتقوقع في رأسه أنه يملك الإرادة العالمية، وهو واهم نتيجة كونه قيد التفكير في الأشكال النمطية القديمة والتي أكل عليها الدهر وشرب، وهذا يتضح ردود أفعال جو بايدن في المكتب البيضاوي.
إن أحلام الخيار الواحد الذي يتصوره هؤلاء، قد تبخرت واندثرت مع فرضية عمليات التحديث التي طرأت خلال السنوات الماضية على بلادي والعالم المُحيط. فمن كان من هم يفكر في هذه الطريقة التقليدية، فهو أحد اثنين: غبي؛ بلا ضمير،أو يضع يده فوق رأسه ليحك أنفه.
وصاحبنا.. إما أن يكون الأول؛ أو الثاني. وربما كلاهما معاً.