مع أو ضد سؤال يتم تداوله في جميع مناح الحياة المختلفة، وذلك حينما يختلف طرفان في مسألة ما، سواء الفكرية أو السياسية أو الاقتصادية، بل حتى الاجتماعية، صيغة الهيمنة على الميول لا تمت لمنطق الأمور بصلة، وتفضي بلا ريب إلى انحسار مواقف الحياد بهذا الصدد، مما يؤدي بطبيعة الحال إلى خسارة المساحات الرحبة التي تمكن الطرفين من العثور على مكان آمن يلتقيان فيه وفقًا لتعزيز موقف المحايد ليتمكن من ذلك، ناهيك عما يخلفه ذلك من تجييش للعواطف وتكريس لمفهوم الانحياز كنتيجة بدهية لما يتمخض عن هذا الأمر.

أضف إلى ذلك سهامه في تحجيم دور الرأي وإقصاء حفظ واحترام الاعتبار إن جاز القول، وبالتالي فإن القناعة والحالة تلك ستحلق بعيدًا عن مدار الحكمة، على اعتبار دخول الفرض أو الهيمنة، وأن معنوية كانت مهمًا بلغ مستوى أثرها، في حين أنها تخل بمستوى التوازن في هذا السياق، إلغاء أو بالأحرى تقليص دور الحياد، والبقاء على مسافة واحدة يقلل من فرص الإبقاء على مساحات رحبة؛ لأن ذلك يضعف بطبيعة الحال من دور التواصل وأهمية الحوار في التأثير، وكسب فرص نقاط الالتقاء. وفي ظل التقليل من فرص المناورة التي تدفع في اتجاه تعزيز السلم والسلام فإن تسهيل عسر المسائل العالقة لن يكون أوفر حظًا في التخفيف من حدة التوتر ورأب الصدع، وتقريب وجهات النظر، فضلًا عن إسهامه عن غياب بيئة خلاقة ملهمة وحاضنة للمسار المنطقي المتزن، ترسيخ الروابط الإنسانية بين البشر وتنميتها تحت مظلة التسامح العملاقة لا يعد تنازلًا بقدر ما يرفع من قدر الإنسان وقيمته الذي كرمه المولى -جل في علاه، وخلقه في أحسن تقويم.

إلى ذلك فإن رفع مستوى الأريحية والقبول والابتعاد عن التشنج والاستئثار بالرأي وتحكيم العقل يحتم تمرين الذات على قبول وجود فرضية الاختلاف لا الخلاف والارتقاء بمستوى التفكير والإحساس على نحو خلاق.

الحوار رأس الهرم في هذه المعادلة، في حين أن الاستئناس بالحوار يتيح المجال واسعًا في خلق مناخ ملائم لاحتواء المسائل الشائكة، وتعزيز الإنصاف في المواقف عطفًا على قدر كبير من الشفافية والوضوح، وفي اطار احترام العهود والمواثيق والوفاء بالعقود ما يعزز النمو في العلاقة وفقًا لأطر تشي بمرونة الموقف والإصغاء للتبريرات وبلورتها بموضوعية.

فاتكاء العلاقة على العدالة في هذه النواحي من شأنه تعزيز الروابط، وفقاً لأطر التعاون التي يسودها الاحترام.

وقياسًا على ما سلف فإن اتاحة الفرصة للحياد يسهم بلا ريب في تعزيز الترابط الإنساني، فالإنسان خُلِقَ في هذه الأرض ليعمرها.

وحين تقع الملمات في جزء من هذه المعمورة، فإنك بلا ريب تجد العاطفة الخيِّرة والنبل في المشاعر متجسدًا في سرعة مد يد العون والمساعدة لهذا البلد أو ذاك بغض النظر عن ماهية العلاقة.

وهذا الشعور النبيل بلا ريب يكرس الألفة من ناحية، ويسمو بالمشاعر نحو آفاق الفكر السليم، وانطلاقًا في إسعاد الإنسان لا تعاسته، فبات السمو الإنساني معلمًا بارزًا ينبئ في المقام الأول عن إدراك واسع، ورؤية ثاقبة.. وبالله التوفيق.