بنو إسرائيل قبيلة عربية كما ذكرت دراسات حديثة بعضها سعودية، كدراسة الدكتور قشاش الغامدي وما نقل عن حمد الجاسر، هذا إلى جانب دراسات عربية أخرى تؤكد أن موسى وقومه من أهل الجزيرة العربية لا من مصر النيل. وهذا المقال يتأسس على هذه الدراسات، بنو إسرائيل قبيلة عربية.

في الماضي اعتمد المفسرون والمؤرخون على التوراة وشروحها في تخميناتهم حول جغرافيا قصة موسى وقومه، وفسروا القصة في القرآن الكريم بناء على ذلك بكل ما يترتب عليه من معلومات بعضها صار آيدلوجيا. فقد حاولوا تحديد أماكن أحداث قصة موسى مثل (الطور، الأرض المقدسة، هذه القرية، البقعة المباركة، الوادي المقدس طوى) وقالوا إنها لا تخلو أن تكون في مكانٍ ما من عريش مصر إلى الفرات.

(أريحاء، بلقاء، الرملة الأردن، فلسطين، تدمر، إيليا، الشام، بيت المقدس، مصر)...

وأما أنها مباركة فقالوا إن بركتها هي الزروع والثمار. بناء على الدراسات الحديثة التي تؤكد عربية بني إسرائيل، وعلى لغة القرآن الكريم يمكن إعادة ترتيب الأماكن المقدسة في قصة موسى استنادا إلى المعطيات اللغوية التالية:

أولاً: لا يوجد جبل اسمه «الطور» هكذا، بل توجد جبال كثيرة ذات صفة محددة يطلق عليها «طور» ويضاف إلى مضاف إليه، طور سيناء، طور سينين، طور الباحة في اليمن، طور بني يزيد، طور بني الحسن، في جنوب المملكة العربية السعودية.

ثانيا: عندما ترد في القرآن الكريم كلمة «الطور» وحدها فهي معرفة بأل العهدية والذهنية، كما تقول لصاحبك نذهب غدا إلى الجبل، فإنه سيعرف جبلا معروفا لكما، ولكما عهد بذكره وموجود في ذهنيكما معا.

وهكذا فعندما ترد كلمة الطور وحدها فإن السامع (النبي عليه السلام وأهل مكة حينها) يعرفون الطور المقصود كما يعرف صاحبك الجبل المقصود.

الآن يمكن لنا أن ننظر إلى هذه الآيات: «وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا» «وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ» «آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا» «مَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَىٰ مُوسَى الْأَمْرَ» «وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا» «فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ» «بالوادي المقدس طوى»، كلها مكان واحد لحدث واحد، فالطور الأيمن وجانب الطور وجانب الغربي وشاطئ الوادي الأيمن والوادي المقدس طوى، كلها في مكان واحد هو البقعة المباركة، لكن أين هي؟ بما أن الأطوار كثيرة، والأودية كثيرة، واختلافات القدماء كثيرة دون أن يثبت منها شيء، فإن مفتاح البحث عن هذا المكان هو عبارة «البقعة المباركة».

إن كنا سنمنح القرآن الكريم فرصة كما منح القدماء الفرص لشروح التوراة، فإن القرآن يذكر صراحة مكانا مباركا واحدا ولمرة واحدة: «أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين»، وفي ما عدا ذلك فإن القرآن يشير بضمير الغائب مرارا إلى البقعة المباركة «باركنا فيها... باركنا حوله».

ولأننا منذ البدء نقدم وجهة نظر من خلال لغة القرآن فإن البقعة المباركة هي ذاتها «أول بيت وضع للناس» أي مكة، مكة ولا سواها.

البركة في اللغة هي الزيادة، والقرآن كثيرا منّ على العرب أنه جعل لهم حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم، ومن دخله كان آمنا، هذا الأمان هو الذي ميز هذه البقعة وهي الزيادة فيها التي تميزها عن غيرها، وتلك هي البركة، بركة مكة. فهي أول بيت لأن إبراهيم أقامه، وهي مباركة لأن من دخله كان آمنا، وهي هدى لأنها محجة الناس، وعلامة قبلتهم، واتجاههم، ومقصدهم.

ومكة هي المشار إليها بـ(هذا) حين يقسم القرآن، في «لا أقسم بهذا البلد» و«وهذا البلد الأمين».

ومكة هي المشار إليها حين يقص القرآن القصص على النبي، فهي «هذا بلدا آمنا» وهي «هذا البلد آمنا» وهي «ادخلوا هذه القرية فكلوا منها» وهي «اسكنوا هذه القرية».

** الأيمن / الغربي يقول القدماء إن الأيمن تعني الجبل الذي كان على يمين موسى، يقولون ذلك وهم لا يعرفون أين كان يقف أو يتوجه موسى! الواقع أن الأيمن تعني الجنوبي، فساكن مكة يرى الكعبة إحداثية يسند إليها الاتجاهات شمالا وجنوبا كما يسند للشمس شرقا وغربا.

فما جنوب الكعبة يَمَنٌ، ابتداء من الركن اليماني، وما شمالها شام. وهو إسناد شائع عن سكان الجزيرة العربية خصوصا مكة والحجاز وتهامة ونحن في جهتنا نستخدمه حتى اليوم.

ومن يستقبل الشمس شرقا فاليمن على يمينه والشام على شماله، ومنه قول عبدة بن الطبيب:

سَقاكِ يَمانٍ ذو حَبِيٍّ وَعارِضٍ تَروحُ بِهِ جُنحَ العَشِيِّ جَنوبُ.

وفي اللسان «اليَمنِ يَمَنٌ لأَنها تلي يَمينَ الكعبة، كما قيل لناحية الشأْم شأْمٌ لأَنها عن شِمال الكعبة». هناك صفة أخرى للطور هو أنه «الغربيّ» في قوله مخاطبا الرسول «وما كنت بجانب الغربيّ»، ولا بد أن الرسول يعرف تماما المقصود بالغربيّ ومكانه.

فالغربي والشرقي بالنسبة لساكن مكة هو ما غرب الكعبة وشرقها، فلا بد أن يكون الطور غرب الكعبة، على شاطئ أقرب وادٍ يمر غربها (توجد غرب المسجد الحرام الآن بئر ذي طوى، وهي على وادي طوى القادم من شمال شرق مكة ويمر غرب الحرم جنوبا حتى يلتقي مع وادي إبراهيم).

يوجد شمال غرب المسجد الحرام جبل الكعبة وإلى الجنوب منه غرب المسجد تماما يوجد جبل عمر، وإذا كنت سأملك الجرأة معتمدا على ما تقدم فإن جبل عمر هو الطور الأيمن، وأن الوادي غربه هو الوادي المقدس طوى، وأن الطريق القادم اليوم من الغرب ما بين جبل عمر وجبل الكعبة إلى المسجد الحرام هو الباب في قوله «وادخلوا الباب سجدا». والطريق بين الجبلين باب، وحتى اليوم تسمى الحارة هناك حارة الباب.