يعتقد البعض أنهم يتمتعون بذكاء أكثر من غيرهم؛ وهم في الحقيقة أغبياء، يتصورون أن الصبر وطول النَفَس نوعًا من الجُبن، ويتناسون أو يحاولون تجاهل اعترافهم بالإرهاب أو الرغبة بممارسته. والبعض الآخر يُجيد فنون الظهور بابتسامات خادعة وكاذبة، ويسعى لأن تتحول المملكة العربية السعودية مسرحًا لعمليات تطرف دولي، تكفل أن تكون مناخًا مناسبًا لردود الأفعال الإقليمية.

ما أقصده في الجزء الأول من حديثي عن الأغبياء، أن الإيرانيين يتصورون أنهم أذكى أنواع البشر، بينما هم أحمقهم وأكثرهم سذاجة، كيف؟ يُخيل لهم أننا نسينا قول رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيراني محمد باقري في الثامن والعشرين من أبريل 2019؛ أن بلاده قادرة على إغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي؛ إذا اضطرت لذلك؛ فإن لم يمر النفط الإيراني فلا أحد سيصدر النفط عبر المنفذ المهم. وفي تفسيري أن لتلك التصريحات، معنى أكبر من المكان والزمان، وربطها بمضيق هرمز على وجه التحديد، يعطي إشارات لاستراتيجية التعطيل الإيرانية، التي تقوم على مفهوم «شل الحياة»، عبر استهداف المعابر البحرية التي تمر عبرها الطاقة للعالم، في حال استمرار العقوبات عليها، ومنعها من تصدير انتاجها من النفط، إلى أن بلغ الأمر بطهران لأن تلجأ لهذا السلوك بشكلٍ مختلف، كرد فعلٍ على ايقاف المفاوضات في الملف النووي، ترجمته بالوقوف وراء الهجوم على المصالح النفطية في جدة الأسبوع الماضي، وذلك حسب ما يندرج في إطار التكتيك الإيراني الآنف ذكره.

ومن أعني بمن يُجيدون الظهور بابتسامات خادعة ومكشوفة، هم الأصدقاء في الولايات المتحدة الأمريكية،كيف؟

بالنظر لتصريحات نائبة المتحدث باسم الخارجية في أعقاب الهجوم على المصالح السعودية؛ التي قالت إن «الهجمات غير مقبولة، ومؤثرة في البنية التحتية السعودية، علاوةً على المدارس والمساجد وأماكن العمل».

وبالتزامن مع الانكار؛ تسعى الإدارة الأمريكية إلى شطب الحرس الثوري الإيراني «المعني بتلك الهجمات والذي يضع جماعة الحوثي اليمنية في الواجهة» من قوائم الإرهاب. وهذا يعني مراوغةً وخداعاً واضحاً تنتهجه السياسة الأمريكية، التي تتعمد الظهور بمواقف؛ وبينما واقع الحال يحكي عكس ذلك.

وبالرغم من النظرة الأمريكية المتدنية لملفات المنطقة، وانعكاسها على الاستقرار العالمي، فالأجدر أن تحظى دول المنطقة باحترام الآخر لقضاياها، من منطلق الانسانية، وليس من على أساس ما تكتنزه من مقومات اقتصادية، وهذان العاملان، تحاربهما الجمهورية الإيرانية، بتخريبها وتبنيها لميليشيات متطرفة، تعتبر أورقًا بيد الولي الفقيه، سيأتي يوم وتحترق، وتجد نفسها برموزها ومؤيديها والمتعاطفين معها، في مزبلة التاريخ. سأعود للتقسيمة التي رسمت هذا المقال على أساسها، وأقول أن ما على الإيراني فهمه واستيعابه، أن الصبر والحلم الذي تتحلى به دول الاعتدال بالمنطقة وعلى رأسها المملكة، ليس نافذةً مفتوحة يطل من خلالها ضوء الإرهاب الذي تعتمده لتصفية حساباتها التاريخية؛ وأن جلوسها على الطاولة مقابل دول غربية في ملف مفاوضاتها النووي، لا يعني انتصارًا يستحق الإشادة ، إنما هو إذلال يستحق النظر له بعين الشفقة، كون الطرف الإيراني هو من لهث وراء الحوار، للقفز على حالة الشؤم والبؤس التي زرعها دونالد ترامب في نفوس الإيرانيين بعد تمزيقه للاتفاق.

وفي الشق الآخر من توليفة هذه السطور؛ فيما يتعلق بالأصدقاء «فرضيًا» في واشنطن، فيمكن مطالبتهم بالشعور بقليل من الخجل، من السياسة المفضوحة البائسة، التي تتجاوز حدود العلاقات الاستراتيجية، على حساب مصالح ضيقة للغاية، ويمكن للجميع فهم السياسة البائسة التي أعني، برؤية الموقف الأمريكي من حرب روسيا ضد أوكرانيا، الذي أوصل واشنطن لأعلى سقف من الندية ضد موسكو، في حرب لا تعني لها لا من بعيد ولا من قريب، بينما تسعى لمهادنة محور الشر والإرهاب ، في منطقةٍ تعتبر المحرك الأول لعصب الحياة في شتى بقاع الدنيا.

وبتحليل هذا المشهد، يستطيع المرء اكتشاف أن من في إيران عبارة عن عصابات ترتدي قناع السياسة، يُديرها مُرشدٌ كهل بقلبٍ أسود، وتتزعم مجموعات من ميليشيات متطرفة لا تخفي تأسيسها على أساس البغضاء وعدائية الغرب وأمريكا؛ وفي الجزء المقابل؛ دولة ليس لديها مشكلة في التعامل مع من يُعلن لعناته ضدها، وترى نفسها عظمى مؤثرة من خلال حمل لواء الإنسانية، في حين تسعى من حيث لا تعلم لخدمة بيدق الإرهاب الإيراني، وهذا ثابت بكل الأدلة والقرائن.

وأعتقد أن ذلك نتيجة قدرة اللوبيات الإيرانية في الولايات المتحدة على حرف بوصلة الادارة الامريكية، عبر توظيف كراهيتها لدول المنطقة، لا سيما السعودية، بناءً على التوافق مع الإدارة السابقة، واقتنع البيت الأبيض بأفكار طهران من باب «النكاية»، حتى بلغت السياسة الأمريكية هذا المبلغ الذي يكشف الهشاشة في التفكير بالتعامل مع قضايا حلفاؤها بالمنطقة.

إن لغة بيانات الإدانة التي يرى من خلالها البعض أنه قام بأداء دوره؛ لم تعد مُجدية؛ فالمفروض قبل أن يكون مأمولًا، أن يستشعر الجميع مسؤوليته تجاه الهجمات التي تتعرض لها المملكة بدعم إيراني، باعتبارها حليفًا استراتيجيًا، وقلبًا نابضًا يتولى مسؤولية إمداد العالم بالنفط والطاقة لتستمر الحياة.

هذا من الناحية الأخلاقية،وعلى صعيدٍ آخر، بعيدًا عن العاطفة؛ فإحراق حوثي اليمن دون رحمة، وبلا شفقة، هو الحل!!. حينها سيتألم الخامنئي في طهران، ويُضمد جراحه سيد البيت الأبيض، واللعبة مكشوفة.