الصمت كما يعرفه الجميع، هو الامتناع عن الكلام، وهو حالة من عدم الرغبة في المشاركة بالحديث، أو الإحجام عن إبداء الرأي لأسباب متعددة، وقد يشعر الإنسان في بعض الأحيان بالراحة عند الصمت، وفي أحيان كثيرة يتجرع المرارة والألم بسبب الامتناع عن الكلام.

ويفرق الباحثون بين أنواع من مظاهر الصمت السلبية، أولها صمت الإذعان وهو إخفاء وحجب المعلومات والآراء، رغبة في الاعتزال والاستسلام للأمر الواقع، ويعتقد الشخص الصامت هنا أن الحديث عن المشكلة أو الإبلاغ عنها لن يحدث فرقاً، ويشعر الشخص في هذه الحالة بمشاعر مؤلمة تدمر تواصله مع المحيطين به، وتجعله فريسة للانطواء، وضعف تقدير الذات، والنظرة السلبية للحياة، وهو أحد أوجه الصمت القاتل.

والصمت الدفاعي هو الوجه الثاني من أوجه الصمت السلبية، وهو سلوك متعمد واستباقي يهدف إلى حماية النفس من الأضرار، من خلال حجب الأفكار والمعلومات التي لو تم الإدلاء بها سيتعرض الشخص لتهديدات وأخطار محتملة، وقد تكون الأضرار حقيقية، أو يتوهم الشخص حدوثها، وفي كلتا الحالتين يعتبر الصمت قاتلاً، لأن الامتناع عن قول الحق خوفاً من الضرر يشعر الإنسان بضعفه، ووصف نفسه بالجبن والهوان، وتغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة.

كما قد يصمت كثيرون عن النصح مع أن لهم الحق فيه بسبب التقدير لبعض الأشخاص، وتغليب المصلحة الاجتماعية، لأنه وفي بعض الأحيان يفهم كثيرون أن النصح تعد على الخصوصية، أو أن الناصح غير مؤهل بسبب سنه أو مكانته الاجتماعية.

وعند النظر إلى الأوجه السابقة للصمت القاتل يمكن ملاحظة أنها تدور حول مفهوم السكوت عن الحق، سواءً أكان بسبب الإحباط من عدم القدرة على التغيير أو خوفاً من التهديدات المحتملة، ولمجابهة هذين النوعين من الصمت القاتل يمكن لنا أن نستخدم عدداً من الاستراتيجيات التي قد تسهم في الخروج من حالات الصمت القاتل، ومن أهم هذه الاستراتيجيات كسر حاجز الصمت من خلال التعود على الاستشارة، وطلب العون من المختصين عند الحاجة، للحصول على الطريقة الأمثل للتعبير، ودفع الضرر الذي يمكن أن يترتب على الإدلاء بالرأي، إضافة إلى تغيير أسلوب الحديث عند إيضاح الأفكار، والتعبير عنها باستخدام تكنيكات الإقناع، التي يمكن التدرب عليها، وهي متوفرة في كثير من الأدبيات.

وفي مقابل الصمت القاتل يكون الصمت المريح، وهو حالة من الصمت الممتع الذي يتحاور فيه الإنسان مع ذاته، ويرمم ما اعتراها من وهن أو اهتراء بالمزيد من التأمل، والاسترخاء الذهني، واستبعاد الأفكار السلبية، واستبصار الحلول الذاتية وتجريبها بطريقة فردية، وتقويم الحلول التي تم التوصل إليها، والاستمرار بها أو استبدالها بخيارات أخرى.

ومن أوجه الصمت المريح الكفُّ عن الخوض في أعراض الناس، والسكوت عن الحديث في مجالس النميمة والغيبة، وانتقاد الناس في أشكالهم وأعمالهم واختياراتهم الاجتماعية، وهو من أولى حالات الصمت والاعتزال، أو تقديم النصح بالحسنى.

ومن أمتع حالات الصمت المريح، الصمت أمام الجمال، والتوقف عن الحديث لتأمله والاستمتاع به، وهو حالة عبر عنها الشاعر نزار قباني بقوله الجميل:

فإذا وقفت أمام حسنك صامتاً

فالصمت في حرم الجمال جمالُ

كلماتنا في الحب تقتل حبنا

إن الحروف تموت حين تقال

لذا فلنبحث عن الجمال فيما حولنا، ولنستمتع بالصمت المريح.