ازداد الإقبال خلال الأيام التي سبقت دخول شهر رمضان المبارك – أعاده الله على الجميع بالخير والبركات - على استخدام تطبيقات إلكترونية نشطت في بيع اللحوم التي تزدهر تجارتها في هذه الفترة من كل عام، واستطاعت تلك التطبيقات منافسة التجار ومنافذ البيع.

ورغم أن البعض تمسك بالذهاب بنفسه إلى الأسواق لاختيار نوع الماشية وحجمها والإشراف على ذبحها وتجهيزها، إلا أن الكثيرين وجدوا في تلك التطبيقات حلا مناسبا لتفادي الزحام والتكدس في الشوارع وإضاعة الكثير من الوقت والجهد.

هذا الإقبال كان يمكن أن يشكل أرضية صلبة للتجارة الإلكترونية، بحيث تصبح ملاذا لكثير ممن لا تسمح ظروفهم وأوقاتهم للذهاب لتلك الأسواق، إلا أن الغلاء وجشع البعض كان بمثابة الصدمة التي منعت تعامل الكثيرين معها، حيث إن الأسعار في أسواق المواشي أرخص مما يعرضه القائمون على تلك التطبيقات.

ورغم أن الدولة أولت اهتماما كبيرا بهذا الموضوع، وأنشأت مجلس التجارة الإلكترونية برئاسة وزير التجارة لاستكمال الإجراءات التنظيمية، ورفع درجة ثقة المواطن بهذا المجال، وسن التشريعات الضرورية لحفظ الحقوق، وإيجاد بنية تحتية مهمة وقوية لخدمة القطاع، إلا أن الأمر – للأسف – غير مجدٍ لبعض مستخدمي التطبيقات، بسبب ارتفاع الأسعار والتي تحول عائقا دون الاستفادة من تفعيل السوق الإلكترونية لتكون نافذة تتيح للمتسوقين الحصول على احتياجاتهم دون الحاجة لمغادرة منازلهم.

هذا الارتفاع في الأسعار ليس له ما يبرره، بل إن المنطق يفرض أن تكون الأسعار أقل، حيث من المعلوم أن السوق الإلكترونية تتيح للتاجر الكثير من المزايا وتسقط عنه الكثير من المنصرفات التي ربما تكون سببا في حدوث الغلاء، حيث لا يحتاج المورد الإلكتروني إلى استئجار محلات وإنفاق مبالغ إضافية على تأثيها وتجهيزها، أو تكبد منصرفات التكييف واستهلاك الكهرباء أو الاستعانة بأعداد كبيرة من العمالة.

كما لا يخفى على الجميع الفوائد والمزايا العديدة للسوق الإلكترونية على ما سبق، فمن مزاياها اختصار عامل الزمن، والإسهام في تقديم منتجات ذات جودة عالية بتسهيل الاستيراد، وسهولة تسديد المقابل المادي، وتوفير فرص عمل للشباب في مجالات تصميم المواقع الإلكترونية وتطبيقات توصيل الطلبات، والقضاء على مشكلة الزحام المروري وتقليل التلوث.

كل هذه المزايا تتطلب إيجاد أجواء مناسبة تسهم في ازدهار هذا القطاع الذي بات واقعا عالميا لا يمكن تجاهله، لذلك ينبغي تنظيمه وتنقيته من الشوائب التي تعتريه، فهناك الكثير من الفوارق والتفاوت في الأسعار، إضافة إلى غياب الشفافية وعدم الوضوح في بعض الأحيان والتي على إثرها وقعت حالات من التضليل للمستهلك.

ومما يعزز من ضرورة العمل على تنظيم القطاع وتنقيته من المتلاعبين تلك التقارير الصحفية التي تتحدث عن الفرص الواسعة التي يحملها مجال التجارة الإلكترونية وما يمكن أن يسهم به في حل مشكلة البطالة وإيجاد فرص للتوظيف، حيث تشير إلى أن حجم هذه التجارة في المملكة مرشح لأن يبلغ 60 مليار ريال خلال سنوات قليلة، وأن حجم التعامل الحالي تجاوز 30 مليار ريـال، فيما بلغ متوسط إنفاق المتسوق السعودي عبر الإنترنت أربعة آلاف ريـال، وأن مقدار الزيادة السنوية في التعامل مع السوق الإلكترونية يتراوح ما بين 20 إلى %25.

الأرقام السابقة تكشف بوضوح أن هذا المجال يحتوي على الكثير من عناصر الجذب التي تتيح له استقطاب المزيد من المتعاملين الباحثين عن فرص واعدة، كما أن الجانب الأكثر أهمية للتجارة الإلكترونية يتمثل في أنها ليست محصورة على التعامل الداخلي فقط، بل إن كثيرا من الشركات العالمية في الدول المتقدمة تميل للتعامل عبر الإنترنت، لتقليص التكاليف والوصول إلى أسعار تنافسية تتيح لها تحقيق أرباح إضافية، لذلك فإن الدول التي تتأخر في إنشاء بنيتها وتشريعاتها الإلكترونية قد يكون من الصعب عليها التعامل في مجال التجارة الدولية مستقبلا.

ولأن المملكة تتجه نحو تمكين القطاع الخاص ومنحه دفة قيادة الاقتصاد الوطني، وتسريع خطى التحول نحو اقتصاد السوق الحرة، فإن السوق الإلكتروني هو أحد الأدوات التي يمكن أن يكون لها دور كبير في المستقبل القريب، إذا ما أحسنا تنظيمه وتوجيهه وفق قواعد واضحة وضوابط معينة وبيئة تشريعية حاسمة، تتيح لنا الاستخدام الأمثل للحصول على احتياجاتنا في بيئة آمنة تحفظ حقوق جميع المتعاملين بدون الوقوع في شباك المتحايلين.