يوجد تحت سقف كل منزل اختلاف فكري بين أفراده، علينا أن نعي ونتفهم هذه الحقيقة، بل إن من غير المنطقي أن يحمل الجميع الدرجة نفسها من التفكير، حتى لو كانت خاضعة لأيديولوجية موحدة، وطبيعي جدًا بعد ذلك إذا اختلف التفكير، أن تنتج عنه اختلافات أخرى في التوجهات والآراء أيضا. الأهم في كل ذلك، الطريقة التي تدار بها جميع هذه الاختلافات، فتسمح لجميع أفرادها بممارسة اختلافهم ضمن مساحة محددة، لا تسمح لأي فرد بالتجاوز على الآخر أو تشكيل خطر عليه. وأعني هنا بالخطر هو حصول إيذاء نفسي أو جسدي، ناتج عن إقصاء أو كراهية أو نبذ أو تحريض على المختلف، أو تقييد ثقافته وفكره، ومنع عقله من ممارسة التفكير، ومن النمو والتطوير، ومواكبة الزمن من دون قيود، وترويعه بإسقاطات كالإشارة لنهاية الزمان، ووصف أي نمو عقلي أو اختلاف بأنه تقليد غربي يعمي صاحبه عن رؤية طريقه، ويزج به في جحر الضب.

إدارة الاختلاف هي انصهار الجميع بكل اختلافاتهم، كما ينصهر الحديد المخصص في تسليح الأبنية وشد قوائمها مع النيكل والمنجنيز، فلا الحديد ولا النيكل ولا المنجنيز، قادرون بمفردهم على تشكيل قوة تشد قوام أي بناء. قد يصدأ هذا التسليح بالرطوبة، ويصبح ظاهرا واضحا على مرأى الجميع، إلا أنه يعد صدأ محمودا، كالعارض الذي ينذر ويشير إلى وجود خلل لا مجال للتعايش معه، إلا برؤية جديدة تمنع عنه الصدأ وتحميه منه مدى الحياة.

نحتاج في إدارة اختلافنا الموجود في كل أسرة، وفي كل بيئة عمل، أن نعي أننا في الأخير، ما نحن إلا مكونات منصهرة، لبناء المجتمع بشكل عام، وأن خروجنا من دائرة اختلافنا، هو الخلاف الذي يهدد تعايشنا ويسمح بهدم أي بناء.

إدارة الاختلاف لا تحتاج إلى الانصهار مع مكونات متشابهة، مثلما ينصهر الحديد الخالص في قالب واحد، ويصبح بالخير لينا غير قادر على المقاومة وتحمل الصدمات. وإدارة الاختلاف تحتاج إلى اتحاد مجموعة من المكونات المختلفة لتكون قوة، تنصهر معا وتحمي بعضها وتشد أزرها.