يختلف تفسير نظرات العيون طبقا للمواقف المختلفة، وتظل محورا رئيسا في سياق بناء التصور، سواء ما يرتبط بالظروف المحيطة والاستقرار المعنوي أو من خلال ارتباطها كذلك بعضلات الوجه كعنصر مؤثر ومعبر في جميع الحالات.

ففي حالات الغضب، يكون الإنسان «مزنجر»، أي غضبان، وفي بعض دول الخليج يقال «طلعت قرونه أو قرونها»، وتعني أنه ممتعض وزعلان، والقرون هذه لم أرها في حياتي، ويبدو أنها بتقنية الليزر.

هذه النظرة تكون عادة أسهل للفهم والاستيعاب، إذ تزداد حدة التركيز.

وقد يصاحب ذلك نوع من الإحمرار في العين نتيجة حالة الاحتقان، وسرعة ضخ الدم في الشرايين المغذية للعين.

وأذكر طرفة قديمة مرتبطة بالشخص العصبي، إذ إن أحد التجار، وهو من كبار السن ومعروف عنه أنه عصبي وسريع الغضب، حوّل نشاط تجارته من المواد الغذائية إلى أدوات البناء، مسامير ودهانات أو «بوية»، نكاية في الفئران، وجاءه ذات مرة زبون، طالبا دهانا أو «بوية» لونه سماوي، فأحضر له العلبة، وشكك الشاري في اللون، قائلا: هذ اللون سماوي؟!، فما كان من البائع العصبي إلا أن فك العلبة، ورشها على ملابس الزبون، قائلا: «الحين سماوي وإلا لا؟».

وبعيدا عن الزعلانين، أبعد الله الزعل عن الجميع، فإن التفسير في الحالات الأخري يزداد غموضا.

ففي حالات الضحك، على سبيل المثال، فإن الابتسامة تكون عنوانا بارزا للرضا، غير أنها في بعض الأحيان قد تفسر علي نحو مغاير، ولا سيما إذا كانت المجموعة الضاحكة في مكان عام، وأسوأ ما في الأمر حينما تكون الضحكة مرتبطة بالإيحاء السيئ كمادة بائسة للتهكم والسخرية، فهذه العيون، التي لا تمت للحور بصلة والخالية من الأدب، تنتج أقبح الأساليب وأسوئها، لافتقارها للأخلاق الحميدة، وانسلاخها من أدني معايير الأدب.

الأساليب الموغلة في الانحدار منتشرة، وبكل أسف، وتستهلك بشكل يومي في ظل سرعة التواصل، ومن خلال الأجهزة الذكية والغبية، على الرغم من انتهاء صلاحيتها للاستهلاك الآدمي، واللبيب بالإشارة يفهم، بيد أن من أصعب رموز لغة العيون، أو بالأحرى «النظرة»، درجة الرضا التي تبدو فيها العيون مستقرة نوعا ما، إلا أن التفسير يبقى في بطن الراضي، خصوصا إذا لم تترجم حالة الرضا بالقول أو العبارة. وكثيرا ما يحدث الالتباس علي هذا النحو، ويؤثر في توطيد العلاقات، ولا سيما إذا لم ينبس الراضي ببنت شفة، تعبيرا عن درجة الرضا.

في حين أنه يستطيع التعبير عنها بكلمات مختصرة موجزة مثل مقبول وجيد وجيد جدا وممتاز، أحسنت، الله يعطيك العافية. فلا تصمت عن الإشادة، فهي تفرغ طاقة إيجابية خلاقة، وتمنحها للآخرين كاستحقاق منطقي وموضوعي، حيث إن الصمت لا يعني درجة الرضا بطبيعة الحال ما لم تتم الإشارة إليه، خاصة في هذه الحالات، فكل كلمة من تلك الكلمات الجميلة تحمل المدلول الذي يمكن في ضوئه القياس، ناهيك عن أن ذلك يسهم في إزالة التراكمات النفسية التي قد تنشأ جراء عدم الوضوح والتصريح. وبالتالي، فإن الهواجس ستسرح وتمرح في فضاء الشكوك غير الرحب، وقد توحي بفرضيات مرهقة وخاطئة، وتجانب الواقع بهذا الصدد.

وفي إطار نظرات العيون المختلفة، وتعدد تفسيراتها، تبرز بعض الجوانب الكئيبة البائسة لتلك النظرات، ألا وهي نظرات الاحتقار والازدراء والشماتة، وهذه من أقبح أنواع النظرات، لأنها تافهة بكل ما تحمله الكلمة من معني، وتنبيء بخلل في استقامة السلوك.

ولما كان الشيء بالشيء يذكر، فإن هناك نظرة، وإن كانت أقل حدة من النظرات آنفة الذكر، إلا أنها تشرخ الكبرياء، وتحدث جروحا معنوية ليس من السهل اندمالها، ألا وهي نظرة الشفقة.

فعلى الرغم مما تحمله هذه النظرة من تغليف بالرحمة والعطف، فإنها في واقع الأمر تؤذي المشفق عليه، وتنال من كرامته وكبريائه، إذ يجب أن يرتقي المنسوب الحسي والمعنوي، ليفيض تألقا ونبلا، وينثر جداوله الوارفة بكرم النفس من خلال تجسيد الاحترام وترجمته كلما كانت النظرة مغلفة بخلق رفيع، لا يشوبه رياء ولا منة، وذلك في الوقت الذي ينبغي فيه التفريق بين الإشفاق والرحمة، وشتان بينهما، فنظرة الرحمة تختلف عن نظرة الشفقة.

وحول النظرة ومعطياتها، فإن نظرة الأطباء أيضا تحمل معاني كثيرة مغلفة بالإنسانية، وغالبا ما تتبنى الجانب الرحيم، طبقا للرسالة الإنسانية النبيلة التي يحملونها. فإذا رمقك الطبيب بنظرة فاحصة من خلف نظارته السميكة، وأمعن في التركيز، فما عليك إلا التسلح والاستعانة بتملق القطط، وأنت تنتظر النتيجة.

ويبقي السر الذي يزداد غموضا، وما فتئ يلهب قرائح الشعراء والأدباء الذين نثروا شعرهم، ليسطروا أجمل المعاني في الوصف والتحليل، ألا وهو نظرة العشق، فسبحان خالق العيون، والقدرة العجيبة علي التأثير، إذ إن العيون تبرز الجمال بشكل أخاذ، وتأسر من حولها، لتتحول النظرات إلي طاقة مشعة نافذة، تعبر إلي القلوب دون الحاجة إلي تأشيرة دخول، حيث إن مفعولها يخترق الأبدان.

فسبحان الخالق الديان الجميل الرحمن الذي خلق الجمال، وهو أحسن الخالقين.