تصدر هذا التساؤل شبكات التواصل الاجتماعي لعدة أيام، واستمر محافظا على صدارته في خطابات الناس بتلك الشبكات لفترة. تقوم فكرة التساؤل على أمر افتراضي، ومفاده: ماذا لو الشخص المخطئ عاد لك معتذرا ومعترفا بذنبه، فهل ستقبل الاعتذار أم لا؟.

اللافت أن معظم الإجابات جاءت بالسلب، بل إن الكثير منها حمل روح الانتقام من المخطئ وسط إقفال كبير لباب التسامح.

ومن يتمحص واقع تلك الإجابات، حتى وإن كان الكثير منها جاء على صيغة هزلية ليست جادة، يجد أن المضمون والبوصلة تتجه نحو الكراهية والانتقام وعدم التسامح.

هل نتوقف عند تلك الردود كثيرا، ونهمل دلالاتها العميقة أم نتعاطي معها بسطيحة أو بحس فكاهي على أنها «ترند»؟، فالردود تحمل في طياتها مؤشرات لظواهر اجتماعية ليست حميدة، حتى وإن كان السؤال افتراضيا، إلا أنه قد يتحول إلى واقع، وبالتالي نجد تلك الإجابات الناقمة تتحول إلى ممارسات حادة وإقصائية.

من المفارقات العجيبة أن ذلك التساؤل تصدر الشبكات قبيل بداية رمضان، التي يصاحبها العديد من رسائل الـ«واتس آب» و«تويتر» و«سناب» يطلب الناس فيها من الآخرين مسامحتهم عن أي تجاوز أو خطأ قد يكونون وقعوا فيه، لتظهر علامات التناقض بأبهى صورها، حيث نجد أن الكثيرين من الأشخاص الذين غردوا بروح انتقامية في الإجابة عن تساؤل: ماذا لو عاد معتذرا؟، هم الأشخاص أنفسهم الذين يطلبون ود الناس، لمسامحتهم.

تلك الممارسات الاتصالية في شبكات التواصل يجب ألا تمر مرورا عابرا. هل نحن أمام ظاهرة أشخاص لا يجيدون لغة التسامح، وهو ما لا يتسق مع نسيجهم الديني والاجتماعي، أم أننا أمام ظاهرة التناقض بأبشع صوره؟، خصوصا أنه ليس تباينا في آراء، وإنما تناقض في قيم إنسانية مثل التسامح.

أسوأ ما يمكن أن نتعامل به في تعاطينا مع تلك الحالة بأن الأمر لا يعدو كونه أمرا هزليا، وسؤالا افتراضيا لا يمكن أن يتحقق على أرض الواقع، وكأن الأشخاص في العالم الافتراضي افتراضيون، ولا ينقلون ممارساتهم للواقع.

ومن الأمور التي تتعجب منها في إجابات المشاركين أن الأشياء التي يرفضون التسامح فيها ليست أمورا حياتية مفصلية، بل لا تتجاوز في معظمها أمورا هامشية، وتدخل في نطاق توافه الأمور، ومع ذلك لغة الحدة في الرفض والإقصائية كانت بارزة.

ومن المهم الإشارة إلى أن ظاهرة عدم التسامح كانت واضحة في شبكات التواصل من خلال الكثير من الأطروحات الموجودة في شتى المجالات والميادين، بل قد يصل الأمر ببعض المغردين إلى الشماتة بالطرف الآخر لأي ظرف يحدث له لمجرد أي اختلاف، ولعل ترند «ماذا لو عاد معتذرا؟» علق الجرس على هذه الظاهرة بشكل واضح وصريح.

يقال: سامح الآخرين، ليس لأنهم يستحقون المغفرة، ولكن لأنك تستحق السلام.