التعود على الشيء قد يُفقده معناه مع مرور الوقت ولو سألت شخصاً مسلماً لماذا تصوم لرد عليك بأنه يصوم لأن الصيام واجب لكن ماذا يوجد خلف هذا الواجب من معانٍ أو حِكم؟

غريزة البقاء هي أقوى غريزة لدى الكائن الحي وقوامها هو الطعام والشراب والتكاثر عبر الاتصال الجنسي لذلك تتم عبر طريقة تلقائية انعكاسية لا تحتاج إلى استعمال مراكز الذكاء العليا في المخ. فالكائن يجوع فيأكل ليبقى بهذه البساطة. لذلك قد يبدو الصيام مناقضاً لهذه الغريزة في الوهلة الأولى وكأنه يضع الإنسان أمام أسباب الفناء! في الحقيقة الصيام يعزل الإنسان عن الوجود المادي المتمثل في الضرورات فما تحتها فيجعل الإنسان يقف أمام روحه وجهاً لوجه دول حائلٍ مادي. عندما ينتهي يوم الصوم يجد الصائمُ فرحةً عند فِطره، مصدرها الشعور بالانتصار وإنجاز المهمة الصعبة دون تردد. كأن الصيام يقول له إذا كانت إرادتك الخافتة قد استطاعت أن تنهض وتتغلب على غريزة البقاء لديك فإنها قادرة وبشكلٍ أيسر على التغلب على الملذات العابرة والنفس الأمارة بالسوء.

الكثيرون في كلِ مكانٍ يقبلون على أعمال يعلمون بأنها مضرة لهم لكنهم يجدون أنفسهم ضعيفة أمامها فيأتي الصيام ليضع الإنسان في مواجهة مباشرة مع هذه الممارسات ليثبت لهم بأنهم كانوا يعيشون في وهم العجز وإرادة المعجّل على المؤخر. أيضاً الصيام يضع صاحبه في حالة تشبه حالة السفر المتصل فهو يتزود بالطعام ليلاً ليعود للانقطاع عنه نهاراً في مسيرة كان مقدارها ثلاثين يوماً. يقول الرافعي الصيام هو فقر إجباري يراد به إشعار النفس الإنسانية بطريقة عملية واضحة كل الوضوح أن الحياة الصحيحة وراء هذه الحياة لا فيها.

الانتصارات المتتالية التي يحققها الصائم على شهواته تتيح للروح نشوةً ومساحة أوسع للحركة، بل أبعد من ذلك تجعل السلطة بيد الروح لا المادة لذلك يسن في رمضان الإكثار من الأعمال الصالحة استغلالاً لتحرر الروح ودعماً لها في آنٍ واحد. الغرائز الإنسانيّة لا تتحرر دفعة واحدة وإنما تنطلق بقدر ما تضعف سلطة الروح ومعها سلطة العقل. وهنا يكمن دور الإعلام المادي للأسف حيث يعمل على إعادة الروح الى الاتصال بالماديات مرة أخرى عبر مسلسلات رمضان وأطباق رمضان وماديّات رمضان.

رمضان مخلوق روحاني لا دخل للمادة فيه إلا في أذهان الماديين.