قرأت، الأسبوع الماضي، رواية «حاكم.. جنون ابن الهيثم» للروائي المصري الدكتور يوسف زيدان، والتي جاءت كشاهد تاريخي يعيد قراءة المشهد المصري القاهري في بداية زمن العهد الفاطمي، وذلك عبر عدد من الشخصيات والوقائع التاريخية.

قبلها بسنوات، قرأت رواية «طنين» للدكتور سيف الإسلام بن سعود، التي أعاد فيها قراءة المشهد السعودي «النجدي» في فترة خالد بن سعود، الحاكم السعودي بالدولة الثانية، الذي نصبه محمد علي باشا بعد الحملة المصرية الثالثة على نجد.

في هاتين الروايتين، يعيد الكاتبان إحياء الأماكن والشخوص أمامك كقارئ بشكل واضح، مما يجعلك تشاهد المشهد من زاوية أخرى مختلفة نوعا ما عن المشهد التاريخي البحت.

وأنا هنا لن أكتب قراءتي النقدية للروايتين، لسبب بسيط، ألا وهو أنني -بطبيعة الحال- لست متخصصا لا بالتاريخ ولا بالأدب، إنما أنا قارئ لمثل هذه الأعمال الرائعة، ولكن فقط أدعوك إلى قراءتها، والاطلاع عليها، والاستمتاع بها.

كما أن هناك سببا آخر في كتابتي هذه المقالة، وهو رغبتي في الإشارة ولفت نظر المسؤولين في وزراة الثقافة بشكل عام، وبشكل خاص في هيئة الأدب والنشر والترجمة، وعلى رأسها الأديب البارع محمد حسن علوان، والقول لهم إن لدينا في المملكة تاريخا ضاربا في القدم، ولدينا حكايات سياسية وتاريخية عظيمة تستحق الكتابة عنها، وأعتقد أن دورهم بالهيئة يتمثل في رسم مبادرة تدفع الأدباء وتوجههم في هذا الاتجاه المتفحص للفترات المبهمة من تاريخ الجزيرة العربية، وإعادة قراءته وإحيائه لنا من وجهة نظر أدبية تاريخية.

نعم أدرك أن هناك محاولات جيدة في إعادة كتابة بعض الروايات من خلال أخذ زوايا ومشاهد تاريخية حدثت في الجزيرة العربية، ولكنها تبقى مجرد محاولات مبسطة وغير مؤثرة. ومن ضمن هذه المحاولات رواية «سلطان نجد» للكاتب الكويتي عبدالله السلوم، التي تناول فيها فترة الحكم الأخيضري لنجد، وحاول من خلالها أن يوصل للقارئ مفاهيم اقتصادية عن الاقتصاد الكلي للدولة، وتوزيع الثروة، وكفاءة الحكم، وغيرها من الأفكار الاقتصادية الخاضعة للإطار السياسي والاجتماعي.

بالتأكيد أنها محاولة جيدة في طرق هذه الفترات المنسية نوعا ما من تاريخ نجد، إلا أنه -وحسب رأيي- فإن الكاتب لم يجهد نفسه في البحث عن المصادر التاريخية الراصدة تلك الفترة بشكل مكثف، ولا ألومه في ذلك، لأنه في النهاية يرغب في توجيه رسائل اقتصادية متخصصة عبر هذا الأسلوب الكتابي، ولهذا جاءت محاولته بسيطة ومتواضعة.

وأظن، والله أعلم، أنه لو كانت هناك مبادرة من الهيئة تدعم هذا الاتجاه، سنرى رواية مختلفة نوعا ما حول تلك الفترة التاريخية، حتى لو أراد الكاتب إيصال أفكاره الاقتصادية المتخصصة.

عموما.. رسالتي إلى المسؤولين في وزارة الثقافة:

أنتم تدركون أن الرواية تعتبر أحد مصادر المعرفة المحببة للنفس، وأتمنى منكم فعلا تبني مبادرة تخدم وتثري هذا المجال، سواء عبر الكُتاب السعوديين أو الخليجيين أو غيرهم من الأدباء العرب، فالعبرة في النهاية هي وجود مواد مثرية ورائعة، تتحدث عن الدول والمجتمعات التي عاشت فوق هذه الأرض، الموغلة في عمق الحضارات الإنسانية.