قبل رمضان تمطرنا رسائل طلب السماح والصفح والعفو وكل المسميات والمشتقات من ذلك. جميل هذا الحس أن يشعر المرء بأنه يخطئ ويطلب السماح، والأجمل هو طلب ذلك من الجميع بلا استثناء، ولكن هل نضمن أن القضاء لن ينزل بساحتنا في غير رمضان، هل نضمن أننا سنعيش إلى رمضان آخر لنطلب هذا السماح مرة أخرى.

يقال إن ملك الموت قال لله - جلا وعلا- إنه ضحك ذات مرة لأنه أخذ روح رجل كان جالسًا عند «مخرز الأحذية» - أكرمكم الله- وهو يقول لمصلح الأحذية هذا، أريدك أن تصلحها تمامًا حتى تتأكد أنها ستبقى عامًا كاملًا دون أن تنقطع، فأخذ ملك الموت روحه قبل أن يرتدي الحذاء.

هذا هو العنوان العريض الذي يجب على أيٍّ منا وضعه نصب عينيه، «هل يضمن أنه سيبقى حيًّا للدقيقة القادمة؟»، وإن كان فعليًّا لا يضمن ذلك، فكم عليه من حساب مفتوح يجب أن يغلقه قبل أن يرحل، وكم من كلمة بدرت منه تركت ثقبًا في قلب أحدهم، وكم من أموال يعلم عنها أنها أخذت على غير حق، وكم حتى من حيوان أو نبتة قام بأذيتها دون أن يكون مضطرًا لذلك.

وهذا ما قاله أحد العائدين من الموت، إذ يقول إنه رأى شريط حياته كاملًا في لمحة بصر، قال رأيت كل شيء، كل خطأ وذنب ارتكبته، حتى أنني تذكرت يوما قمت باقتلاع نبتة من جذورها ورميتها، قال رأيت حتى الرمل الذي يتساقط، وكأنني حينها أتساءل (بأي ذنب) قطعت تلك النبتة وبأي ذنب تطاير ذلك الطين من حولها.

ما أريد قوله إن الدنيا تبدو أمامنا كبيرة جدًا ولا نهاية لها، وهذا ما يجعلنا ننشغل عن لحظة كل منا متأكدًا أنها ستحدث ذات يوم، وقد يكون رمضان هو ما يجدد لنا تلك المشاعر، لأننا نزيد فيه من العبادة عن غيره من الأشهر على الأقل بالصيام، فما بالك بصلاة التراويح والاعتكاف وغيرها.

أليس من الأجمل أن يكون لدينا ذلك الشعور متصلًا طوال العام، فمن اعتقدنا أننا قد آذيناه ولو بكلمة، فعلينا طلب السماح فورًا، فما يدرينا عما سيحدث بعد «فورا» ذلك، حتى ولو كان حيوانًا، فما بالك بإنسان، فإن وصلنا إلى قناعة أن ذلك الشعور يجب أن يكون متصلًا، فعلينا استبدال جملة (سامحني قبل رمضان) بـ (سامحني في رمضان وفي غيره).