التطور التقني، الذي تشهده المملكة خلال السنوات الماضية، بات مضربا للمثل على مستوى العالم، وتقدمت من خلاله المملكة خطوات على دول العالم الأول في مجال الأتمتة، وسرعة إنجاز المعاملات بشكل مذهل، حتى أصبح الكثير من ساكني تلك الأقطار يستشهدون بذلك التطور، بل يطالبون حكومات بلدانهم باتخاذ الخطى نفسها المتسارعة الموجودة لدينا.

هذا التطور التقني لم يخص قطاعا دون الآخر، فجميع المجالات في المملكة سارت على الوتيرة نفسها من التطور والقفزات الهائلة، والأهم أيضا هو القبول المجتمعي السريع والتأقلم مع ذلك التطور والحراك، مما يشير إلى أنه مجتمع قابل ومتكيف على التطور السريع، فلم نشهد متذمرا من تلك الإجراءات الإلكترونية في مختلف شرائح المواطنين.

ذلك التحول التقني صاحبه أيضا تطور في الإجراءات والسبل المتبعة في تسيير دفة أي عمل، حيث نجد أن الحوكمة حاضرة في نمط التعاملات الحكومية، وغابت الارتجالية أو عدم اتساق العمل في أداء الجهاز الحكومي، وهو ما نلاحظه من ارتفاع مؤشرات أداء تلك الجهات، وأصبحنا نعايش الحجم المنجز للأعمال والمرتبطة بشؤون المواطنين من حيث الكم والكيف.

ولعلنا تابعنا منذ بداية الشهر الكريم خبرين يعطيانا مدلولا مهما جدا: الأول مفاده أن الجهات المعنية أعلنت عقوبات للمتسولين الذين استمروا لسنوات طويلة يستنزفون عاطفة وجيوب المواطنين بادعاءات كاذبة، حيث شددت الجهات المعنية القبضة عليهم. وشاهدنا جميعا حملات ضد هذه الفئة، لحل إشكالية كانت مؤرقة لسنوات دون أن نجد حلا جذريا لها، وها نحن اليوم نشهد تحركات فعلية للقضاء على هذه الآفة. والخبر الآخر هو الحملة الوطنية للعمل الخيري التي شهدت تكاتف وتسابق الجميع على دعم ذلك العمل الإنساني النبيل، ابتداء من القيادة مرورا بجميع شرائح المجتمع. ذلك التفاعل الخيري والإنساني ليس مستغربا على مملكة الخير والإنسانية، بل هو تأصيل لمفهوم متجذر في هذه البلاد.

المدلول من الخبرين هو أن الحوكمة ومتابعة سير الأعمال أيضا شملتا العمل الخيري، فلم تعد هناك فوضى في هذا المجال أو السماح لأي شخص بمخادعة الناس في هذا الجانب، وسرقة أموالهم تحت ذريعة عمل إنساني أو تحويل أموال لجهات غير معروفة، بل أصبح العمل الخيري مؤطرا بجانب محوكم ومؤسساتي.

بالإضافة إلى أن التطور التقني سهل كثيرا من العمل الخيري، فبإمكانك اليوم، ومن خلال هذه المنصات، التعرف على الحالات، وأوجه التبرع والعطاء، والنسب المتبقية لاستكمال مشروع خيري، كل هذا إلكترونيا.

هذا التحول التقني والحوكمة في العمل الإنساني رسخ أكثر مفهوم أننا مجتمع العطاء، فكم شاهدنا من حملات لمساجين تم الإفراج عنهم، وحالات صحية جرى إتمام علاجها، وكم من متوفى تم إنشاء آبار أو مساجد باسمه، وذلك عن طريق عمل خيري منظم ومميز معروفة مصادره.

العطاء بكل أنواعه يجب أن يكون مقننا، حتى لا يكون نافذة للخذلان.