ولعل من أفضل المؤثرين الذين اهتموا بالسلوك الإيجابي للأفراد هو عالم النفس شون أكور، الذي أطلق مصطلح «الضفدع البرتقالي» على هذه الفئة من الموظفين. «الضفدع البرتقالي» ليس سوى قصة رمزية، ذكرها «أكور» في أحد كتبه، وتدور حول ضفدع يحمل بقعة برتقالية على جلده تميزه عن باقي أقرانه، وتسبب له نوعا من الإحراج. واكتشف الضفدع لاحقا أن هذه البقعة تتوسع كلما مارس ما يحبه ويجعله سعيدا وأكثر إنتاجية، وهنا يواجه الضفدع قرارا صعبا: فهل يظل ضمن مجموعته وقطيعه أم يتفرد عنهم؟، وأخيرا قرر إرضاء ذاته على إرضاء الآخرين، وتبنى الحياة البرتقالية المليئة بالسعادة والإنتاجية، ولاحظ لاحقا أن بقية أقرانه بدؤوا في تقليده، ونهجوا نهجه.
يذكر أمين قطوش هذه القصة الرمزية في مقالة له عن الانحيازات السلوكية التي تمنع الموظفين من إبراز أفضل ما لديهم من إنتاجية وتفاؤل وإبداع. ويري «قطوش» أن تلك الانحيازات تتلخص في ثلاثة أسباب، ذكرتها الدكتورة فرانشيسكا جينو، الأستاذة بجامعة هارفارد، وسمتها «التمرد البناء»:
السبب الأول في عدم التغير والإبداع هو الانحياز للوضع السائد، والانغماس في الروتين، وتقمص حالة من الجمود والفتور وانعدام الحماس، وتقييد القدرات على الابتكار والإبداع.
أما السبب الثاني، فهو «متلازمة البطل»، وهي حالة نفسية تدفع صاحبها للظهور بمظهر «البطل» في مختلف المواقف التي تواجهه، حتى تلك الأزمات التي يختلقها ثم يحلها لاحقا، ليثبت أنه فريد من نوعه، وتغلب على هؤلاء الأشخاص أساليب الاستعراض والنرجسية والاستئثار بالعمل الجماعي عن بقية الفريق.
بينما يعزى السبب الثالث في عدم إبداع الموظفين، وخروجهم عن المألوف، إلى ظاهرة «تأثير المتفرج» أو «متلازمة جينوفيز»، وهي ظاهرة تتلخص في امتناع الشخص عن تقديم أي مساعدة للآخرين، وتشجيعهم على النجاح. ويعود أصل هذه الظاهرة أو المتلازمة إلى 1964 عندما حدثت جريمة مروعة راحت ضحيتها كيتي جينوفيز، التي قتلت في شوارع نيويورك طعنا.
وعلى الرغم من سماع صراخها من قِبل 38 شخصا كانوا على مقربة منها، فإن أحدا لم يكلف نفسه عناء مساعدتها أو حتى طلب الشرطة. وكانت هذه الحادثة سببا في دراسة حالات العجز واللامبالاة في تصرف الأفراد ضمن المجموعات، وتبين من خلال هذه الدراسة أنه كلما كان حجم المجموعة كبيرا، فإن احتمالية قيام فرد بتصرف مغاير عن المجموعة ضعيفة جدا.
لهذا، فإن من أهم عوامل عدم الإبداع والتقدم هو الانقياد لسياسة القطيع، والركون للمألوف، والخوف من الخروج عن المعتاد. إن من أخطر الأمور التي تواجهنا كأفراد أن نظل مكبلين بقيود وتصرفات الآخرين وردود أفعالهم، وأن يكون الرأي الآخر هو ما يقودنا، ويجعلنا نتخذ القرارات المهمة والمصيرية لمستقبلنا.
لعل الوقت لم يفت بعد للاهتمام بتلك البقعة البرتقالية التي تجعلنا متميزين عن الآخرين، وتمكننا من السيطرة على حياتنا ومستقبلنا دون أن يتحكم بنا الغير.