قرأت قبل يومين تغريدة لوزير البيئة والمياه والزراعة في «تويتر» يشكر فيها وزير الشؤون البلدية والقروية على الخطوة المهمة في إطار العمل المؤسسي لدعم العمل الخيري وجمعيات حفظ النعمة في المملكة، واستشعارًا بأهمية الحفاظ على الغذاء من الهدر، وذلك بتدشين المؤسسة الأهلية لحفظ النعمة.

في الحقيقة هي خطوة رائعة في أهمية الأمن الغذائي ولكن السؤال: هل الأهم الحفاظ على الغذاء من الهدر أم من الفقد؟

ولمن لا يعرف الفرق بينهما أقول الفقد الغذائي هو كميات الأغذية التي تتم خسارتها على طول سلسلة الإمدادات الغذائية أي في مراحل الإنتاج والتوزيع في المزارع والمصانع ووسائل النقل، أما الهدر الغذائي فهو المخصص للاستهلاك من قبل المواطن بشكل مباشر في المطاعم والمنازل والفنادق وغيرها.

نحن في المملكة نهدر ونفقد سنويا ما نسبته أكثر من %33 من غذائنا وبما قيمته 40 مليار ريال.

ذهبت إلى آخر تقرير أصدرته المؤسسة العامة للحبوب وقرأت عن مؤشر الفقد والهدر في الغذاء بالمملكة ووجدت بأنه من ضمن 19 منتجًا غذائيًا نسبة الفقد فيه تصل إلى 13 منتجًا أي أعلى من الهدر، بمعنى يجب أن نولي أهمية قصوى للفقد لنأخذ مثالًا:

إجمالي نسب الفقد والهدر للتمور %21.5، لاحظوا معي هنا أن نسبة الفقد %16 قبل وصولها للمستهلك وهي موزعة من مراحل الإنتاج ومرحلة ما بعد الحصاد (المناولة والتخزين) والتجهيز والتعبئة والتوزيع، أما عند وصولها للمستهلك فنسبة الهدر هي %5.5 ولك أن تنظر للبطيخ نسبة الفقد قبل وصوله للمستهلك %32 أي مرحلة الإنتاج والحصاد والتوزيع و%9 نسبة الهدر عند وصولها للمواطن. هذه الأمثلة تدل على أهمية الحفاظ على الغذاء من الفقد، وبالتالي يجب علينا وضع تدابير تشريعية وإدارية للتقليل من الفقد؟

وهنا يجب أن نسأل: كيف تدار العملية من المزارع مرورًا بعمليات الحصاد والتخزين والتعبئة وحتى التوزيع؟

على أي أساس يزرع المزارع البطاطس والتمر والخيار والطماطم؟

هل المزارع مثقف بمسألة العرض والطلب، لديه دراسة وافية وإحصائيات وأرقام عن السوق؟

الجواب: بالطبع لا، وهنا تكمن المشكلة المزارع يزرع «على كيفه» بشكل عشوائي، ولذلك نجد مثلا رمي المزارعين الخضروات بكل أنواعها، بسبب الانخفاض الكبير في أسعار البيع بالجملة، فبعض المزارعين يرى أن تكلفة رمى تلك المنتجات أرخص لهم من بيعها، لك أن تتخيل أن سعر الطماطم يباع أحيانًا بريالين! هذا ليس خسارة على المزارع فقط وإنما هدر للثروات الطبيعية.

النمو السكاني في السعودية يصل إلى 3.5% وهو أكثر من متوسط الضعف العالمي المقدر بـــــــ%1 وهذا يعني الحاجة المتزايدة لإمدادات الغذاء. ليس من المنطق أن تترك المسألة لثقافة المزارع. تعالوا معي لتجربة الأمن المائي نجد أن الماء ينتج بعقلية إدارية من مؤسسة التحلية، ثم تأتي شركات المياه الناقلة حتى تصل إلى المدن فتستقبلها شركة المياه الوطنية وتوزعها للمراكز التجارية، فأي هدر للمياه هي مسؤولية هذه الشركات.

هذا التطور في الأمن المائي لم يواكبه التطور المنشود في الأمن الغذائي، فيجب أن تكون هناك شركة سعودية حكومية للزراعة، مسؤوليتها حوكمة القطاع الزراعي بحيث يوجه المزارع بزراعة محاصيل معينة وبنسب معينة، وتوزعها على نقاط البيع بدراسة، بحيث لا يكون هناك رجيع من المنتجات، وبالتالي لا يكون هناك فقد.

ليس من المنطق أن تترك قضايا محورية ورئيسية في الأمن الغذائي، لعمالة تأخذ المحاصيل وتحرج عليها في الحراج بطريقة عشوائية، فالكفاءة الاقتصادية والمائية معنية بشكل جوهري بتنظيم الزراعة وإدارة العرض والطلب، وأرى أن الحراج ليس طريقة حضارية للتعاطي مع صناعة الأمن الغذائي.

هذه العشوائية في موضوع ادارة الغذاء في ظل أزمة غذائية عالمية، غير حضارية ولا منطقية أبدًا.