خرج مسلمون قاطنون في مدينة بوروس السويدية الواقعة على بعد نحو 400 كلم جنوب العاصمة ستوكهولم، والتي يقطنها نحو 100 ألف نسمة السبت 23 أبريل الحالي في منطقة النوربي التي يسكنها مهاجرون غالبيتهم من المسلمين، ليهتفوا "الله أكبر" ويقدموا الورود لرجال شرطة المدينة الذين كانوا في المنطقة.

وجاء هذا التصرف الذي لاقى أصداء جميلة واسعة الانتشار في الإعلام السويدي ولدى كثير من السويديين أنفسهم، على خلفية رفض الشرطة منح المتطرف اليميني الدنماركي راسموس بالودان ترخيصا يتيح له إحراق القرآن في المنطقة نفسها.

وعلى الرغم من أن بالودان هدد بأنه سيحضر إلى المنطقة متحديا رفض الشرطة منحه الترخيص، إلا أن من ظهر في المكان هم عشرات الشباب المسلمين الذين هتفوا بشكل حضاري، وقدموا هم وأسرهم الورود لرجال الشرطة وتبادلوا معهم الأحاديث الودية.

وتفاعل سويديون كثر بشكل إيجابي مع التصرف اللائق الذي أظهره المسلمون في المدينة، وأشادوا به عبر مواقع التواصل التي نقلت مقاطع مصورة لتواجد هؤلاء الشباب، خصوصا أنه جاء في أعقاب احتجاجات استمرت عدة أيام بعد إقدام بالودان ومجموعته على حرق المصحف في عدة مدن سويدية خلال الأسبوعيين الماضيين مفجرين ردود فعل غاضبة تطورت في بعض المدن إلى وقوع صدامات واحتجاجات تسببت بأضرار لسيارات الشرطة وأصابت نحو 100 شرطي، وأدت إلى إيقاف أكثر من 150 شخصا.

حارق القرآن

دأب راسموس بالودان (مواليد 2 يناير 1982) على إحراق القرآن في عدد من المدن السويدية على وجه التحديد، مركزا على تلك التي تعيش فيها جاليات مسلمة في استفزاز مستمر ومتكرر.

وبالودان سياسي دنماركي متطرف وزعيم حزب "هارد لاين" اليميني المتطرف الذي تأسَّس عام 2017، وقد أعرب في وقت سابق عن رغبته في حظر الإسلام في الدنمارك، وترحيل جميع المسلمين من البلاد من أجل الحفاظ على مجتمعهم العرقي.

عاش بالودان في السويد لفترة، وعمل في الفترة بين عامي ٢٠١٥ و٢٠١٨ كبروفسور للقانون في جامعة كوبنهاجن الدنماركية لكن شكاوى عدة قدمت بحقه لإدارة الكليّة بشأن سلوكه وأساليب تدريسه، حتى أن والده الصحفي، وشقيقاه وأحدهما كاتب أعلنوا علنا نأيهم بأنفسهم عن رسائله وإيديولوجيته وأفكاره السياسية.

في عام 2009 تقدم بالودان لعضوية البرلمان الأوروبي لكن لم يتم انتخابه، وقال يوما في خطاب حرّض فيه على الحرب الأهلية في الدنمارك، ودعا فيه إلى العنف «ستتحول شوارعنا وأزقتنا إلى أنهار من الدماء، وستنتهي دماء الأعداء الأجانب في المجاري حيث ينتمي الأجانب».

خط صلب

في يوليو ٢٠١٧، أسس بالودان حزب «الخط الصلب" الذي يدعو إلى حظر الدين الإسلامي، وترحيل نحو 500 ألف مواطن غير غربي من الدنمارك.

ومنذ عام 2018 صعّد بالودان نشاطاته، متعمدا الأماكن التي تسكنها غالبية مسلمة، وبدأ بالإساءة للقرآن بأشكال شتّى، مثل إحراقه، ناشرا نحو 300 فيديو بهذا الخصوص في 2019، لكن يوتيوب أغلق قناته في 2020 لخرقها بند خطاب الكراهية المبني على العرق والدين.

تكلفة باهظة

حيث يحل بالودان للقيام بتظاهراته لحرق القرآن، يتحرك بحماية الشرطة خصوصا أنه يتلقى على الدوام تهديدات كثيرة، وفي النصف الأول من 2019 وحده كلفت حمايته الشرطة الدنماركية نحو 100 مليون كرون دنماركي (نحو 52 مليون ريال).

وأثارت تحركاته وتكاليف حمايته كثيرا من الانتقادات، وقد ناقشها سياسيون دنماركيون، ودعا سياسي من حزب الشعب الاشتركي إلى توقف الشرطة عن حمايته، وتركه للتظاهر على مسؤوليته الخاصة.

أضرار فادحة

في أغسطس 2020 أثار بالودان مشاكل عدة في السويد، وعلى الأخص في مدينة مالمو الملاصقة للعاصمة الدنماركية كوبنهاغن حيث تضررت المدينة جراء تظاهراته بنحو ٤ ملايين كرون (تقريبا مليوني ريال)، وقد أوقفته عدة دوريات من شرطة مالمو وأعادته قسراً إلى الدنمارك، وسلموه أوراقا تمنع دخوله للسويد، لأنه أجنبي يشكل تهديداً على النظام العام والأمن فيها، لكنه في سبتمبر 2020 تلقى أورقا تؤكد أنه مواطن سويدي لكون والده سويدي، وبالتالي صار يدخل السويد كمواطن، ولم يعد من الممكن منعه من الدخول وإبعاده.

أيام من الشغب

خلال الأسبوعين الماضيين فجر بالودان الشغب في السويد، وهو شغب استمر بضعة أيام على التوالي، وانطوى ذلك على أعمال عنف وصدامات بين رجال الأمن ومتظاهرين خرجوا للاحتجاج على إقدام بالودان وحركته المتطرفة على حرق نسخ من القرآن خلال تجمعاتها العامة والتباهي بذلك.

وفي إطار الغضب شهدت حتى العاصمة ستوكهولم صدامات عنيفة بين قوات الأمن ومتظاهرين احتجوا على جماعة بالودان اليمينية المتطرفة.

وتدحرجت الاحتجاجات من مدن مالمو إلى ستوكهولم إلى نوركوبينغ، وتم خلالها إيقاف نحو 150 شخصا.

استمرار الأزمات

على الرغم من المتاعب التي يثيرها بالودان إلا أن الشرطة تمنحه تصاريح متكررة للتجمعات التي يحرق فيها القرآن بحجة أن لكل فرد حرية التعبير، بل وُصف مهاجموه الذين ينتقدون حرقه للقرآن بأنهم مجرمون، وقال وزير الداخلية السويدي مورجان يوهانسون "السويد دولة ديمقراطية، وفي نظام ديمقراطي يتمتع الحمقى أيضا بحرية التعبير.. عليك أن تقبل ذلك، إنه جزء من العيش في ديمقراطية، أولئك الذين يهاجمون الشرطة هم مجرمون، ولا توجد طريقة أخرى للتعامل معهم سوى خوض معركة شرسة".

وعلى الرغم من أن النظام الداخلي السويدي يمنح الشرطة حق عدم منح التصاريح للتجمعات الخطرة، إلا أن كثيرا من المسلمين القاطنين في السويد يستغربون تجاهل الشرطة في بعض المدن والمقاطعات لهذا النظام الذي يقول البند الثاني من فقرته رقم 25 إن للشرطة الحق في منع إعطاء ترخيص لتجمع عام في حال أدى هذا التجمع سابقا ومن نفس النوع إلى تشكيل خطر على الحضور أو الفوضى في حركة المرور.

وعلى هذا الاعتبار استند رئيس مجلس إدارة بلدية مدينة بوروس، أولف أولسون الذي علّق على طلب بالودان تصريحا لإقامة تجمع في المدينة يحرق خلاله القرآن، قائلا "نعتقد بأنه من غير المناسب عقد اجتماع عام يخاطر بمثل هذه العواقب الوخيمة”.

كما أكدت شرطة المنطقة الغربية في السويد تلقيها طلباً لتجمع بالودان في منطقة النوربي وسط بوروس، وخلص تقييم أجرته الشرطة إلى رفض الطلب.

نقاش في المدارس

منذ تفجرت الاحتجاجات على إحراق القرآن دارت نقاشات كثيرة حتى في المدارس بما فيها الابتدائية، وكثيرا ما تساءل طلاب سويديون عن أسباب غضبة المسلمين من حرق القرآن، وحاول معلمون كثر، على الأخص المسلمون منهم أن يشرحوا للطلاب ما الذي يعنيه القرآن للمسلم، ولماذا يغضب لإهانته.

وجاءت مبادرة مسلمي بوروس الأخيرة لتغير صورة نمطية حاول البعض إلصاقها بالمسلمين وتصويرهم على أنهم عنيفون، بما في ذلك تلك الصورة التي حاول سياسيون سويديون يمينيون وعلى رأسهم رؤوساء أحزاب سويدية ترويجها مطالبين بطرد كل مشارك بالاحتجاجات وطرد عائلته كذلك من السويد، مركزين على ضرورة الرد على المحتجين بإطلاق النار، فقد تساءلت رئيسة الحزب المسيحي الديمقراطي إيبا بوش عن أسباب عدم تعامل الشرطة السويدية بحزم وإطلاق النار بصورة أكبر وأكثر خلال أعمال الشغب التي حدثت احتجاجا على حرق القرآن، وقالت "العديد من الأشخاص اعتدوا على الشرطة السويدية بالحجارة لقتلهم وقتل المنقذين والمسعفين في بعض الحالات، يجب أن يكونوا هم المصابون وليس الشرطة السويدية"

وقالت في تعليق لاحق "في السويد يمكن حرق الكتب الدينية في تظاهرة ـ لا يوجد مشكلة في ذلك، يجب أن يكون من الممكن حرق الإنجيل والقرآن في جميع المناطق في السويد، فالحق في حرق المصاحف جزء من حرية التعبير، من المهم أن تكون هناك فرصة للقيام بذلك".