هل هناك تعارض بين الدين والعلم؟ يتكرر السؤال لدرجة تثير في نفسي حنقاً لمن يريد خلط (ماء زمزم بالكحول الطبي)، هل نترك (تأبير النخل) كعلم أبجدي من علوم الهندسة الزراعية لأجل واعظ يرى في تأبير النخل خللاً في العقيدة يخالف الإيمان بقوله تعالى: (والرياح لواقح) أم نفهم بشكل دقيق معنى: أنتم (أعلم) بأمور (دنياكم).

هل هناك تعارض بين الدين والعلم؟ إنه سؤال بالنسبة لي يشبه شيئاً نحو (هل هناك علاقة بين المثلث واللون الأخضر؟ إنها حيلة ممكنة لتكوين علاقات بصبغ المثلث باللون الأخضر ليقول المسلم مثلاً: هناك علاقة (إنه مثلث أخضر)، ليأتي متدين مسيحي فيصبغ المثلث باللون الأصفر ليقول: هناك علاقة (إنه مثلث أصفر)، ليأتي متدين يهودي فيصبغ المثلث باللون الأحمر ليقول: هناك علاقة (إنه مثلث أحمر)، والمضحك أن يتخلى العلم عن مثلثه ليعتمد المربع في اشتغاله الهندسي فترى المتدينين وقد ركضوا بألوانهم من جديد ليعيدوا العلائق والروابط من خلال علب ألوانهم، كل هذا أراه حيلة لصنع رابطة نفسية أشبعتها كتب (علم النفس الديني) بحثاً ودراسة، كل هذا الربط النفسي يتكئ على ركام من أدبيات علم الهيرمونيطيقا، وبغير ذلك نعرف أن العلم بالمعنى الحديث لم يعد مرهوناً لتداخلات القرون الوسطى التي استدمجت في شخص (رجل الدين) كل المعارف الإنسانية من الفلسفة حتى الطب، كما استدمجت القبائل البدائية في شخص (ساحر القبيلة) كل الدين والعلم، لنرى رجل الدين وقد تحول إلى اصطناع أساطير (حديثة/كأنها علم) تشبه أساطير من ينسب الطيف الملون الناتج عن تداخل ضوء الشمس مع بلورات الماء/المطر إلى الإله (قزح)، فالعلم في العصر الحديث لم يعد مجرد استقراء طبيعي للظواهر الطبيعية يستطيع أن يفهمه الإنسان العادي مثل رجل الدين، بل أصبح متجاوزاً لكل ما هو طبيعي ـــــ راجع كتاب (طبيعة العلم غير الطبيعية) ـــــ المتجاوزة حتى مفاهيم فرانسيس بيكون والتي ناقشت في هذا الكتاب حتى أطروحات كارل بوبر لتطرح معنى العلم كحالة تحتاج (بحث وتخصص وتراكم معرفي) مما ليس له علاقة بالدين بصفته حالة (إيمان وتسليم) يقبلها الله حتى ممن يقرأ القرآن في صلاته وهو لا يعرف اللغة العربية ويشكلون غالبية العالم الإسلامي.

لماذا يحرص البعض على ربط الدين بالعلم أو العكس؟ عند التفريق بين نوعين من العلماء ستنكشف لنا الأسباب الحقيقية لهذا الربط، فهناك نوعان من العلماء في الدين، هناك (رجال دين/كهنة/رهبان... الخ) يتحدثون (باسم الدين) ويحرصون على ربط الدين بالعلم ليصنعوا كهنوت (عالم الدين/ولاية الفقيه) المهيمن على الحياة في الدنيا والآخرة، وهناك علماء يتحدثون (في الدين) مثلهم مثل غيرهم من العلماء في التخصصات الأخرى الذين يتحدثون في الفلك والفيزياء والرياضيات، وقد يحرصون على ربط الدين بالعلم ليفككوا بمعارفهم الحديثة (مؤسسة الكهنوت الديني) المهيمنة على عقول الدهماء، على أمل مستقبل (إنساني/ديني) يؤمن بتعدد الطرق إلى الله بتعدد أنفاس البشر (وكلهم آتيه يوم القيامة فردا).

وهنا يرد سؤال عن الفرق بين هذين النوعين ونقصد النوع الأول الذي يتحدث (باسم الدين) والنوع الثاني الذي يتحدث (في الدين)، باختصار: النوع الأول يتجاوزون (مقام النبوة) الذي يقف في أحيان كثيرة بانتظار الوحي، ويضعون أنفسهم في (مقام الألوهية) التي لا تنتظر وحياً بل (توقع عن رب العالمين) دون أن يرف لها جفن، وربما نزل في أتباع هؤلاء قوله تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله)، بينما النوع الثاني الذي يتحدث (في الدين) ربما تجد بعضهم ملمين بالعلوم الحديثة وعلى رأسها (تاريخ الأديان المقارن) مروراً بعلم الاجتماع وعلم النفس، فيدركون من المعارف ما يجعلهم يتوقفون عما يجرؤ عليه النوع الأول، لإدراكهم بما درسوه في علم الاجتماع وعلم النفس أن (الرأي في الدين) يخضع لبيئة ومزاج صاحب الرأي، بينما (النص المقدس) مجال مفتوح يمكن استنطاقه في عصمة الدماء بالكف عمن قال (لا إله إلا الله)، ويمكن استنطاقه في استباحتها بتأويل معنى (لا إله إلا الله) ليصبح التوحيد أنواعاً نخرج بأحدها أكثر من مليار مسلم من ربقة الإسلام، لتصبح (لا إله إلا الله) سيفاً ذا حدين، فحد يحمي من نطق كما في عهد النبوة الأولى، وحد ابتدعوه يستبيح دم الناطق بها حتى ولو كان الإمام علي منذ الخوارج مروراً بابن تومرت وحتى داعش، وشتان ما بين من يؤدي حق الله حباً وشكراً ورحمة بالعالمين، ومن يؤديه تكسباً ومغالبة وقهراً للعالمين.