في جلسة مع المعلم مسفر الذي خدم وزارة التعليم لما يقارب 30 عاما، تنقل ما بين مهنة المعلم والإدارة المدرسية وإدارات الإشراف التربوي، وتقريبا ليس هناك في محافظته طالب أو حتى معلم لا يجد أن له عليه أفضالا.

الأستاذ مسفر تقاعد أخيرا وبعد مراجعته لنفسه وجد أنه لا يملك أهم نقطتين في حياة الإنسان البسيط، وهي السكن والصحة المتوفرة من دون انتظار بالأشهر، وكان الحديث عن دور التأمينات الاجتماعية في هذا الخصوص.

فكان يتساءل عما كان لو أن التأمينات الاجتماعية منذ بداية حياته العملية والتي كانت آنذاك المؤسسة العامة للتقاعد وتم دمجها مؤخرا لتصبح جناحا من التأمينات الاجتماعية، لو أنها قامت بتخييره بتقسيط سكن ملائم لاحتياجه وتوفير تأمين طبي راق يليق بمستوى معلم وأسرته، يكفيه عناء طوابير المستشفيات العامة، والتي تجعلك تفضل مثلا تسوس الأسنان لك ولأسرتك ، ولا أن تبدأ رحلة معالجة أسنانك في إحدى العيادات العامة، فليس انتظارا فقط بالأشهر، بل تغييرا مستمرا في الطبيب المعالج، وكل طبيب يجد أفكارا مبتكرة في تطفيشك، فقد تغلق العيادة أسبوعا كاملا فقط لأن مضخة الماء لا تعمل، والتي لا يتطلب تصليحها في المستشفيات الخاصة بضع دقائق، ولكن هناك تتطلب أسبوعا من الراحة.

أما في السكن، فتجد أنه يتم رميه على صندوق التنمية العقاري والذي بدوره يرمي به على البنوك والمصارف، وتجد أن الشقة التي لو أنه بدأ بتقسيطها من مرتبه منذ تعيينه بوظيفته لما كانت تتجاوز ربع مبلغها الحالي بعد تقاعده، ناهيك عن سعر متر الأرض والتي وكأنها في مخطط نموذجي داخل التايم سكوير وليس في أرض قاحلة تم زفلتتها فقط دون تصريف للسيول أو الصرف الصحي أو حتى البنية التحتية للإنترنت الأرضي.

فتجد أنك بدأت في زمن السباق مع من حولك لتناهب قطعة أرض في أي مخطط، وكل يوم تتأخر ستزيد معاناتك في عدم توفر قطع أراض إلا على بعد «قريح»، وكل ذلك بسبب الرؤية القصيرة للتأمينات الاجتماعية، والتي وكأنها صممت لخدمات ما قبل الموت، فإما توفر لك مرتبا لما تبقى لك من حياتك، أو توفره لأسرتك بعد مماتك، أما أن يكون لها خطة تليق باسمها، بأن تكون تأمينا اجتماعيا حقيقيا ينشغل بتأمين أساسيات المجتمع من صحة وسكن فلا أظن.

السؤال هنا، ألم يئن للتأمينات الاجتماعية أن تقوم بدورها الكامل بتخصيص برامج للسكن والتأمين الطبي منذ انضمام المستفيد بشغله لأي وظيفة فتوفر له خيار التقسيط لوحدات سكنية متناسقة مع مرتبه ودخل وظيفته، وكذلك توفير تأمين طبي بباقات متوائمة مع الدرجة الوظيفية أو المرتبة التي يشغلها، أم أنه فقط وكأنها تريد أن تبقى (التأمينات الاجتماعية لخدمات ما قبل الموت).