خرج سيري لافروف وزير الخارجية الروسي من موسكو وراح إلى دول عربية وفي جعبته تسويق نظرية عودة سوريا بشار الأسد إلى الجامعة العربية...

خرج لابسا ثوبًا كان يلبسه أيام زمان.. أيام ما قبل غزو قوات بلاده لأوكرانيا حيث الوزن الثقيل والدور المحوري والقدرة الأكيدة والنفوذ الواضح والذي زادت كارثة سوريا وضوحه ولوّنته بالأحمر القاني! خرج ليقول إن العالم اليوم مهموم بكيفية إعادة تأهيل بشار الأسد ونظامه وليس بالكارثة الأوكرانية!

وأن موسكو هي ذاتها قادرة على لعب دور في ذلك.! والواقع هو أن لافروف معبر أمين عن زعيمه فلاديمير بوتين.

بل هو الأقدر على ترجمة أفكاره ورؤاه إلى لغة عالمية يفهمها، أو يفترض أن يفهمها من لا يحكي لغة روسية! ولا يعيش تحت ظلال حاكم الكرملين.

ولذا تراه، أي الرفيق لافروف، يدب الخطى باتجاه السعي إلى إعادة تعويم الأسد ونظامه فيما الدنيا كلها في مكان آخر نتيجة ما فعله بوتين في الدولة الجارة، وما يمكن أن يفعله في جوار الجارة!

وفي هذا، يمكن الظن بأن وزير خارجية بوتين يتقصد التهتك في حراكه الدبلوماسي.

ويتقصد ازدراء المنطق والقفز الأرنبي فوق حقول الموت التي أعادت بلاده فتحها في أوروبا ذاتها: يسعى باسم بلاده التي صارت معزولة ومقفلة دبلوماسيًا وسياسيًا إلى فك عزلة نظام الأسد!

وإعادة فتح الأبواب المغلقة في وجهه!

ويسعى إلى «تمتين» علاقات روسيا مع الدول التي زارها فيما هو وبلاده في حاجة أكيدة إلى أي شيء يعيد ربط علاقاتهما بالعالم الطبيعي والملموس والمؤثر!

وهو في ذلك تحديدًا يبدو مجليًا وأستاذًا في مدرسة تحريفية تخريفية واحترافية بالكامل. ومنها نهل بوتين القول قبل يومين أنه ذهب إلى أوكرانيا لأن الغرب كان في صدد مهاجمة روسيا.

هكذا بالحرف! ومنها نهل وينهل بشار الأسد القول بأنه حمى سوريا وأنقذ شعبها! ومنها ينهل نظام إيران القول بإنه حريص «أشد الحرص» على أمن المنطقة العربية الإسلامية واستقرارها ورخاء شعوبها!

لافروف ذهب أبعد من زعيمه في مرات كثيرة: حكى بوتين عن ردود صاعقة ماحقة على من يعترض طريقه الأوكراني لكن لافروف فسّر وقال وكرر القول إن السلاح النووي يجب ألا يكون موضوعًا على الطاولة كاحتمال لكن كل شيء ممكن!

وبوتين حكى عن «الحكم النازي» في كييف لكن لافروف راح إلى «أصول» هتلر اليهودية ردًّا على من ذكره بأن زيلينسكي يهودي!

وهكذا دواليك في كل موقف وخطب وقرار يخرج من الكرملين ويحتاج الى ترجمة فورية! وأتذكر بالمناسبة، أن لافروف هذا التقى في بدايات الثورة السورية، وفدًا من وزراء خارجية خليجيين، وكان عنوان اللقاء الوحيد هو الوضع السوري في ضوء المذبحة التي يرتكبها نظام الأسد.. ولم يتردد يومها في إبلاغ ذلك الوفد حرفيًا «بأن سوريا يجب ألا تحكم بشخص سني المذهب».

وكأنه كان يحكي داخل الحلقة المقفلة لأصحاب القرار في الكرملين الذين اختاروا الشراكة مع حلف أقليات يضم إسرائيل في وجه المجموع العربي، وليس أمام وفد وزاري خليجي راح إلى موسكو بحثًا عن طريقة مثلى لوقف المذبحة من دون أن يطرح شيئًا عن «مذهب» الحاكم السوري ولا عن طائفته ولا حتى عن سيرته الحزبية.. وذلك لأن القضية كانت ولا تزال هي ارتكابات النظام الأسدي وليس مذهب قيادته! ولا خلفيته الفكرية! ولا طريقة عيشه وهواياته!

لكن الخطورة ليست في الوقاحة الدبلوماسية (والمصطلحان نقيضان) بل في الوقاحة السياسية المنفلتة التي تأخذ العالم برمته إلى زوايا مظلمة واحتمالات مفتوحة على الأسوأ وتحاول تبرير العدوان والارتداد إلى زمن الغزوات والاجتياحات والحروب العسكرية، من خلال لبس ثوب الضحية وتلبس دور المظلوم!

لافروف صوت سيده. هو يشطح بالحكي وذاك يشطح بالقرار.

والاثنان يدلان إلى خلاصة واحدة: كارثة تهدد البشرية جمعاء!

* ينشر بالتزامن مع موقع لبنان الكبير.