خرجت متجولا في داخل «قصر الفاتيكان» وما يحيط به من مبانٍ، ولما أعياني السير ذهبت إلى المكان الذي أسكنه. ومررت بطريقي إلى المنزل ببائع فاكهة، فرأيت عنده نوعا من الفاكهة، ظننته نوعا من الطماطم، الا أنه أصفر اللون، كبير الحجم، فصار يغريني بالشراء، حينما رآني أطيل النظر إلى ذلك النوع فأخذت منه حبة ونقدته ثمنها 100 ليرة واحدة (والليرة في هذه البلاد كبيرة الاسم قليلة، ومئة الليرة هذه تقارب ثلث ريال) ولما وصلت المنزل وأحضر لي الغداء، وكان أحد الأطباق «مكرونة» أزلت قشرة تلك الحبة، وقطعتها فوق الطبق، ولكننى ما كدت أذوقها حتى صرت أجافي جنبي محاولا بناء الطبق، لئلا ينظر أحد من الجالسين على الموائد حولي إلى ما فعلته فيضحك ويهزأ بفعلي. ولكن الفتاة التي كانت تحضر الطعام أدركت ذلك، فاستغربت، وأشارت إلى طبق الفاكهة، لتعلمني بأن هذا فاكهة يؤكل بعد الانتهاء من الغداء، ولكنني تجاهلت ذلك وأظهرت لها أني، فعلته متعمدا، وأنني أحب أن أضع على «المكرونة» شيئا حلوا. ودرأت عن نفسي وصمة الجهل، وإن كنت من أجهل الجاهلين في فعلي هذا، مكررا جملة: «فري نايس» !!

وهذا النوع من الفاكهة يدعى «كاكي» في مصر.

أَبَى كرم الأستاذ سمير الشهابي، القائم بأعمال السفارة السعودية في روما، إلا أن أقيم إلى يوم الخميس، لكي يدعو بعض العلماء الذين يعنون بالدراسات العربية، إلى حفلة غداء في دار السفارة، وما كنت راغبا في ذلك، إلا أن ما شاهدته من كرم الأستاذ الشهابي أَبَى علي إلا أن أقابل دعوته الكريمة بالشكر والقبول، كان من بين المدعوين -وهم قليلون- المستشرق المعروف الأستاذ ا. غبريتي، أستاذ الأدب العربي في جامعة روما، ومعاونه وهو شاب مستشرق زل عني اسمه، والأستاذة «ماريا نلينو». وقد أمضيناها سويعات قصرها لطف الداعي وكرمه، وما أفضينا في الحديث عنه، من أخبار الكتب والمكتبات، وآثار المعنيين بالمخطوطات. ففي مكتبة المجمع العلمي الإيطالي: حدثني الأستاذ «غبريتلي» وهو شيخ في الخامسة والستين ويتحدث العربية بطلاقة، وهو عضو مراسل للمجمع العلمي العربي بدمشق، ولمجمع اللغة العربية في القاهرة حدثني عن مؤسسة الأمير المستشرق الإيطالي «كايتاني» مكتبة «المجمع العلمي الإيطالي» وذكر أن فيها بعض التي هي الآن قسم من مخطوطات عربية، وفيها قسم كبير من المخطوطات العربية المصورة، ورغبني في زيارتها، وكنت قد عزمت على السفر غدا (في يوم الجمعة) ولكني قررت ألا أغادر روما قبل زيارة تلك المكتبة، وفي صباح يوم الجمعة اتصلت هاتفيا بالأستاذ «غبريتي» وأخبرته برغبتي في زيارة تلك المكتبة، وكان قد قال لي: إذا قررت زيارتها فأنا أحب أن أكون معك، لأرشدك إلى مخطوطاتها.

أجمل ما شاهدته في المكتبات التي زرتها: قاعة الفهارس والمطالعة والمتحف البريطاني، وحسن ترتيب الكتب وتجليدها في المجمع «العلمي الإيطالي» التي تضم على ما يقول الأستاذ «غبريتلي» ما يقارب نصف مليون مجلد.

قابلت الأستاذ «غبريتلي» داخل المكتبة، فذهب بي إلى القسم الذي تقع فيه (مؤسسة كتايتاني للأبحاث عن تاريخ الإسلام وحضارته) «هذه المؤسسة منسوبة إلى الأمير ليون كايتاني (1340/1286ھ) وهو كما جاء في «الإعلام» للأستاذ الزركلي أمير إيطالي من أسرة عريقة معروفة في رومة منذ عشرة قرون، وقد درس هذا الأمير اللغات حتى أتقن العربية والفارسية وتخرج في جامعة رومة، وقام برحلات إلى الهند وإيران ومصر والشام، وألف بالإيطالية كتاب «حوليات الإسلام»، وتقع هذه المؤسسة في حجرتين واسعتين، إحداهما تعقد فيها الاحتفالات السنوية للمجمع العلمي الإيطالي، عندما يريد المجمع أن يمنح أحدًا شهادة علمية، ويحضر هذه الاحتفالات كبار رجال الدولة، ويحضرها الملك أو رئيس الجمهورية، وفي هذه القاعة قسم من الكتب، والقاعة الثانية تحتوي على عدد من الكتب العربية، تبلغ الـ 15 ألف مجلد أكثرها مصور عن نسخ مخطوطة.

1961*

باحث وكاتب وصحافي سعودي «1910 - 2000».