الجدية المفرطة في الكتابة السياسية قد تقود لنتائج هزلية، فعندما تطلب كفاءات، فيجلب لك كفاءات في غير محلها، وتستميت الصراعات البينوية الحزبية في رسم أفق إقليمي كئيب، وإعادة تدوير للمدور وتغليف للمعلب.

اليمن اقتسمه فريقان، فالفريق الأول نهب البنك المركزي والمعاشات والتقاعد والمرتبات وكدس الدولارات والريالات في البدرومات وضحك على العامة بالجبهات وكلها بمباركة القرآن والرسول الأعظم، والفريق الآخر نهب مليارات الحاويات وبنى أرصدة بالدولارات خارج اليمن وتاجر بالأخريات في السوق السوداء المحلية، إلا أن فريق الرسول الأعظم تفوق في نهب العملة المحلية في نقاط التفتيش بمسمى أنها غير قانونية ليقوم بصرفها دولارات في مناطق فريق ناهبي الحاويات.

الفريقان غسلا أموالهما المنهوبة في العقارات والسوق السوداء للمشتقات النفطية والمضاربة بالعملات الأجنبية، وما بين هلالين (الاقتصاد الخفي)، وفتحا معابر المشتقات النفطية وتهريب السلاح، ثم بعد ذلك استمرا في نهب المواطن واعتقلاه وعذباه وجعلاه يمشي في هذيان، ويستمر مسلسل طاش ما طاش فلا نفط يصدر ولا موانئ عادت للعمل، ولا ترميم للبنية التحتية، وغرقت البلد عن بكرة أبيها في التبعية والولاءات والانقسامات، وفي متتالية الاحتراب وجلب المسيرات والباليستيات، وتقاسم نقاط الجبايات والنهب والمصالح المشتركة العابرة للخلافات.

تحضرني طرفة يمنية شهيرة تحكي عن رجل شايب كان لقبه (الكعز) بضم الكاف، وكان أبناؤه يُعَيَّرُون بلقب أبيهم، فالناس لاحديث لهم إلا بأن الكعز ذهب أو خرج أو عمل كذا وكذا، فقرر الأبناء قتل أبيهم لكي يتخلصوا من وصمة العار التي تسبب بها لأبنائه، وتم لهم ما أرادوا من الخلاص من أبيهم، فماذا قال لهم الناس بعد ذلك: (الكعيزة قتلوا أباهم)، فهل الكعيزة قتلوا أباهم في صنعاء كما تم لنظرائهم في عدن، وختاما يا معشر الكعيزة في صنعاء وعدن اتقوا الله في اليمن السعيد الذي لم يعد يحتمل ما يجري أرضا وإنساناً وكفى بالله وكيلا.