إن الأخلاق معضلة مطاطية تختلف من شخص إلى آخر، فبين تفاوت مستويات الذكاء والتصالح الذاتي مع النفس تأتي متغيرات تفاضليتها بين الإنسان وأخيه الإنسان، ومن هنا يقع لنا سؤال جوهري في أهمية وجود الأخلاق بين المجتمعات الإنسانية، وهل هي مكتسبة أم هي صفات فطرية لدى الإنسان، ولطالما كان هذا السؤال موقع خلاف بين المفكرين وأشباههم من أشياب الفكر الإنساني. ولا شك أن مدارس علم النفس اختلفت في مواطن الإنسان من ناحية السلوك العام بين المحددات «الفسيولوجية الوراثية» والمحددات المكتسبة، كما بيّن فرويد في علم النفس التحليلي الذي قدم صورة بأن الإنسان وليد حياته منذ صغره، وما بين علم النفس المعرفي الذي يضع من أهم المتغيرات وليدة الفسيولوجية الإنسانية من باب الوراثة المتغيرات الداخلية للجسم التي تؤثر في عمل أجزاء الأعضاء وعملها وأثرها، ونرى هنا ارتباط الأخلاق بين هذيّن الشتيّن واضحًا.

والحقيقة أن هنالك سلوكيات عامة تجدها وراثية بين الابن وأبيه، وإن لم يعرفا بعضهما ولم ير أحدهما الآخر في حياته، إلا أن هذه الصفات المشتركة تدلل على أن التأثير الوراثي موضوع في الإنسان ما بين الحماقة والتسرع والخوف أي «المشاعر»، مما يؤثر في مستويات الأخلاق وقبولها وحتى مستوى الذكاء وطريقة التفكير، أما التحليلية أو الاستقرائية ونحوها من صفات تجدها برأي العين حولك في المجتمع. ومن ناحية أخرى كذلك تجد أن من بين العائلة الواحدة احتمالية خروج شخص مخالف لصفات العائلة، مثل الملتزم دينيًا، ورأيت كثيرًا منهم لا تجد كشرط أن أبناءه بمستوى أخلاقياته ولا حتى بالتزامهم، وأن من الأب الفاسد أو الأم، والبيئة الفاسدة بشكل عام يخرج نجيب نبيّه ذا حُسّن ولسان أنيق، وهذا يعني كذلك أن ليس شرطًا بأن يستجيب الإنسان لأخلاقيات بيئته، ويكتسب منها، بل قد يؤثر العناد والغضب فيه، ويأخذه لمجرى مختلف مغاير عنهم.

وهذه شواهد تستطيع رؤيتها بنفسك في المجتمع، وتوضح لك بأن الأخلاق في الواقع كأساس هي مكتسبة حتى في تعلمها وترك بعضها وتطوير بعضها هذه دلالات اكتساب، ومادام أن الإنسان فطريًا به مشاعر كمثل الحقد والحسد الغضب والحماقة وبدون أن يتعلم اكتسابًا كيف يربتهما في نفسه، فسوف يصل إلى مرحلة حرجة أخلاقيًا، وهذا يشير أن الأخلاق في أساسها مكتسبة وأن تفاوتها وتفاضلها من شخص لآخر تكون ما بيّن الشتيّن مكتسب، وأخرى وفق صفاته الوراثية بمستوى عقله، وتأثير إفرازات هرمونات جسده مما بؤثر في أفكاره وتركيزه، ونحو ذلك من المؤثرات الفسيولوجية والوراثية للإنسان المؤثرة في مشاعره.

ومن هنا يأتي الحديث في مصادر هذه الأخلاق، كذلك كدليل على مكتسباتها وتأثيرها، فالياباني يجد أن الانحناء من الاحترام، بينما آخر يراها ذلًا و هوانًا، ودولة أخرى تجد أن قتل الحيوانات لا يجوز أخلاقيًا للإنسان، وأخرى لا تجّرم الإعدام للقاتل، غاندي لن يقبل بأن تثأر من الذين قتلوا قريتك وهجروها، بينما هتلر يرى من الحق والإنصاف والإنسانية إعدامهم، وقسّ على ذلك شواهد تُبنى من خلال الإطار الفكري بين المجتمعات والثقافات والشخصيات تحدد لك بأن الأخلاق يجب أن تكون مستأصلة من قواعد واضحة بيّنة، لا من «أحكام وضعية»، كونها ستتفاوت من دولة إلى أخرى كما نرى الآن، ولا يمكن أن يحددها إنسان وليد ثقافة خاصة للإنسان العام بمختلف الثقافات، وهنا يأتي دور الأديان السماوية التي وضعت لكل حقِّ حقّه ولكل مقام مقال، ولذلك تعتبر مسألة الأخلاق معضلة للملاحدة ولمجتمعاتهم التي تجدها سوف تفسد أخلاقيًا مع مرور الوقت كونها اجتهادية ونسبية، وبالطبع مجتمع بلا أخلاق ركيزية صحيحة هو بؤرة للفساد.