«من زود الفضاوة» صعد صاحبنا إلى الدور 16 في أحد المباني الزجاجية، وبقي يتأمل أحد الطرق الشريانية في مدينة الرياض من الساعة السادسة إلى السابعة صباحا، وهي ذروة الازدحام المروري بسبب وقت الحضور للمدارس والأعمال، ومما لاحظه صاحبنا أن الطريق فسيح جدا، ومع ذلك تنشب موجة ازدحام مفاجئة ومن ثم يتسع الخناق المروري شيئا فشيئا، وما يلبث برهة حتى يحدث خناق جديد وهكذا، فلم تتوقف الحركة المرورية، ولم تستمر في انسياقها الطبيعي.

المهم أن صاحبنا بقي يراقب ذلك الزحام من بداية الطريق إلى نقطة الخناق، وتفاجأ بأن سبب ذلك هو عدم بقاء قائدي المركبات في مسار واحد، فما يلبث أحدهم أن يرى الطريق الذي على يساره أو يمينه فارغا حتى ينقض عليه، وبالتالي فالمركبة التي بجانبه ستقلل من سرعتها، ويحضر صاحب مركبة أخرى من الخلف ليشغل ذلك الفراع الذي تركه صاحب المركبة «المستعجل» هذا، وهذا التموج يبدأ صغيرا وتتسع الموجة على طول جانبي الطريق، وكأنك كنت تشاهد نافورة تدفع ماءها بنسق مستقيم وديناميكية تجعل الماء يخرج صافيا وفجأة يهتز صنبور الدفع في تلك النافورة، فيخرج الماء متموجا غير متناسق.

«مالكم بالطويلة» فالمرور قد اكتشف ذلك منذ «مبطي» وفرض غرامات على التنقل بين المسارات بطريقة خطأ أشبه بالمناورة، ولكن هل اكتشفنا ذلك في حياتنا الخاصة؟

فبمتابعة أحدنا لحياته، قد يجد أنه تخرج في المرحلة الثانوية، وانطلق بشكل ديناميكي نحو الحصول على الشهادة الجامعية، وقبل أن ينتهي منها، وإذا به يرى مكانا شاغرا على يمينه أو يساره فتوهم أنه سينطلق بشكل أسرع نحو هدفه المالي أو الاجتماعي، فترك مسار الجامعة والتحق بمسار وظيفة سريعة أشبه بالوجبات السريعة التي وإن أغراك منظرها الخارجي فضررها أكبر من فائدتها، فيحاول العودة إلى مساره السابق، فيجد أنه تأخر في سباقه مع الزمن مقارنة بأقرانه، فيقرر الزواج، وبعد الزواج بأشهر يقرر الطلاق، ومن ثم يعود للوظيفة، ويجد أن درجة البكالوريوس والتي تخرج فيها للتو لم تعد كافية له فيحاول إكمال دراساته العليا، ويشعر وكأنه تأخر مجددا ليترك تلك الدراسة، ويعود للزواج مجددا و..... و...... الخ من التموجات والتذبذبات التي جعلته معطلا لحركة حياته وحياة غيره ممن حوله، فإن كان المرور ينصحنا بالبقاء بمقولة «الزم مسارك في الطريق» للمحافظة على انسيابية الحركة المرورية لنا وللبقية، فقد نحتاج إلى إضافة كلمة لهذه النصحية لتصبح «الزم مسارك في الطريق والحياة».