الإنسان كائن غريب ومليء بالتناقضات خاصة فيما يختص برغباته وغرائزه التي تحقق له القوة والبقاء، فهو حتى الآن لم يستطع تحقيق التوازن بين ما تمليه عليه غرائزه وبين ما تأمره به الضوابط الأخلاقية بمصادرها الدينية أو العرفية أو القانونية.

كانت هذه الأفكار عادة ما تلازمني حينما أسمع قصص الجرائم والشكاوى تملأ المحاكم في مجتمعاتنا المحافظة والمتمسكة بتطبيق الأحكام الشرعية.

وأعود لطرح السؤال على نفسي من جديد، لماذا لم تنههم القيم الدينية عن القتل أو النهب ؟ وماهي الدائرة المفقودة التي لم نستطع الوصول إليها لحل هذه المشكلة، هل هي دائرة أخلاقية أم إنسانية؟ هل الحرص على إيجاد مجتمع فاضل هو الحل؟ أم أن إيجاد مجتمع إنساني يعتبر هو الحل الأفضل؟

ما دفعني إلى طرح هذه الأسئلة هو وجود أحد المرضى النفسيين ممن يندرجون تحت تصنيف (السفيه أو المجنون) الذي تفرض عليه المحكمة نوعا من الوصاية بعد تيتمه، ونقطة التحول تحدث من أشد الناس قرابةً له بعد وصاية المحكمة على شؤونه، فتتحول العلاقة إلى إهمال وطرد وحبس وإجبار على إجراءات وممارسات لا إنسانية.

هذه الحالة هي واحدة من حالات كثيرة تحدث في مجتمعنا الذي نشأنا فيه على قيم النبل والشهامة والمروءة، وكم حرصنا كل الحرص على أن تجري في عروقه واستعذنا من الوساوس الشيطانية أن تجري معه، فما الذي يدفع إذا لمثل هؤلاء الإخوة من التحامل والتآمر على (أخ) يعلمون جيدًا أنه مهما تقدم بشكواه فوضعه الصحي لن يشفع له !؟

الدافع باعتقادي إلى مثل هذه الانتهاكات نابع من(غريزة القوة)، وبالرغم من وجود نهٍي ديني عن هذا الفعل، فإنه لم يضبط هذا الدافع بصورة عادلة، ما سمح بوجود ثغرات أدت لظهور مثل هذه الحالات، والتي باعتقادي أيضًا أن ردعها سيكون بالقانون (المدني) الذي وضعه الإنسان لنفسه ولضبط غرائزه.

على الجانب الآخر، وبعيدا عن الأسئلة السابقة التي قد تبدو غير مهمة عند البعض، لماذا لا نحاول إيجاد المزيد من الحلول والاحتواء لمثل هؤلاء المرضى؟ كإنشاء دور إيواء تحميهم والتوسع في إيجاد جمعيات خيرية ترعى هذه الفئة وتحميها جسديا ونفسيا من خلال التنسيق مع لجان الوصايا في المحاكم، وبتنمية أموالهم وممتلكاتهم من أجل إيجاد الحياة الكريمة التي يستحقونها كفئة خاصة لا تملك من أمرها شيئًا، خاصة وأن رؤية 2030 أوصت برفع نسبة الناتج المحلي للقطاع الخيري.