تناولنا من قبل في مقالات سابقة، كيف أن الإعلام الغربي كان يحرص على تأجيج الكراهية في قلوب مواطنيهم ضد كل ما هو عربي أو مسلم، ورأينا تعاملهم مؤخرًا مع النازحين الأوكرانيين وغير الأوكرانيين خلال هجوم روسيا على أوكرانيا، خاصة المفردات التي كانت تستخدم والتي فضحت عنصريتهم، ولم يستطيعوا التملص منها هذه المرة لأنها كانت واضحة وانتشرت كالنار في الهشيم على جميع وسائل التواصل الاجتماعي، ناهيك عن سرعة تحديدهم المسؤولية عند إصابة أحد الإعلاميين الذي لا تتأخر في أن ترجعه إلى القصف الروسي، معتبرة الإعلام الأوكراني مرجعًا موثوقًا بحيث لا يحتاج الأمر لانتظار الرد على الاتهام من الروس، كما أنهم لم يخرجوا إلينا بدعوات لإجراء تحقيق لتحديد المخطئ!

أما اليوم فنحن نشهد للمرة المليون بعد الترليون كيف يتلاعبون بالكلمات من أجل الحفاظ على ماء وجه الكيان الصهيوني المحتل بعد عمليات اعتداءاته المتكررة، بكيفية تغطية حادثة اغتيال وجنازة الإعلامية شرين أبو عاقلة!

اهتز العالم، خاصة العربي الأسبوع الماضي من الصدمة حيال اغتيال شيرين أبو عاقلة، وكيف تم تصفيتها وعلى مرأى من العالم، وبكل دم بارد! وإضافة إلى الجرح ملحًا تجاهل الإعلام الغربي شهود العيان من الفلسطينيين، وأصر على ترديد رواية الكيان الصهيوني كالببغاوات، وهذا بحد ذاته يعتبر أكبر مؤشر على تحيزهم!

لنقرأ سويًا كيف يريدون أن تصل الصورة لمثل هذا الحدث الأليم: قامت الإعلامية شيرين أبو عاقلة بالانتحار على ضواحي مخيم جنين، فلقد وقفت أمام تراشق الرصاص حتى تضمن إصابتها وبهذا يتم اتهام القوات «الإسرائيلية» بمقتلها. واعتمدت أن تكون جنازتها مثيرة للشغب بأن تسببت في سقوط نعشها حتى يتأثر العالم ويبدأ بالهجوم والإدانة!

يقول أحد المسؤولين لديهم إن العملية كانت «ربما» قتلًا بالخطأ، ثم يضيف بأن الرصاصة قد تكون ضربت الأرض أو الحائط ثم ارتدت فأصابت شيرين في مقتل! عجيب! كيف عرفت الرصاصة أين تذهب وفي أي مكان من جسد الضحية تستقر؟!

وخلال الجنازة وأنا أتابع القنوات الغربية تم وصف المشهد بمفردات مثل: مواجهة، اشتباكات، اندلاع أعمال عنف «! هل انتبهنا لما تحتويه مثل هذه الكلمات؟ أي أنه كان هنالك تعديًا من الطرفين وليس من قبل العناصر المدججة بالسلاح التابعة للكيان المحتل! يريدون أن يكذِّب العالم ما رأته عيناه ويتبنى روايتهم!

وهل تتم المحاسبة أو أضعف الإيمان الانتقاد! حاشا الله، فذلك قد يُعتبر معاداة للسامية ويعرض الصحفي ووسيلة الإعلام للمساءلة والملاحقة! ليست الكراهية هي ما تدفعهم بل الذل والخوف من ردة فعل اللوبي الصهيوني المتغلغل في جميع مفاصل دولهم! وبهذا يكون الإعلام يساعد الكيان الصهيوني المحتل في التضليل بعد أن تم لهم إدخال عمليات التشويش بالروايات المتعددة بحيث يتم تمييع الخبر وتثبيت الانطباع الأول، وهذا عادة ما يبقى عالقًا في أذهان القراء والمشاهدين!

وبعد أن اتضح لهم حجم تورطهم، توجهوا إلى الإعلان بأنهم سوف يجرون تحقيقًا لمعرفة المتسبب، هذا بعد نشر رواية بأن الرصاصة قد تكون جاءت من جهة الفلسطينيين، وبأنهم طالبوا الجهات المسؤولة في فلسطين بالمشاركة في إجراء التحقيق بهذا الشأن والذي تم رفضه، لأن السلطة الفلسطينية أصرت على إجراء التحقيقات بشكل مستقل، ولكن تم لهم ما يريدونه ألا وهو التشويش كالعادة بخلق صور أخرى للتشتيت، فالإعلام الغربي تناول الخبر كما صدر من الكيان الصهيوني متجاهلًا الإعلام الفلسطيني، ونشره تقريبًا بالمفردات نفسها وكأنه عملية قص ولصق، وهذا ليس بغريب لأنه ديدنهم خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا الشرق الأوسط! لم يكلفوا أنفسهم بإجراء التحقيق الصحفي الموضوعي كأن يتواصلوا مع شهود العيان لأخذ أقوالهم، بل اكتفوا بوجهة نظر واحدة! إن ما حدث مثال آخر على الازدواجية في المعايير والذي بدوره يفضح تواطؤ وسائل الإعلام الغربية في التستر على جرائم الكيان الصهيوني المحتل! ودخلت واشنطن على الخط بخصوص المساعدة في إجراء التحقيق المستقل! نحن نعلم مسبقًا من سيحرص الكيان الصهيوني على وجوده ضمن اللجنة ولا نحتاج أن يذكرنا أحد بما يحدث دائمًا وتكرارًا!

لقد كانت شيرين أبو عاقلة شوكة في خاصرة الكيان وهي على قيد الحياة وباتت رصاصة في حلوقهم وهي ميتة.

«اخترت الصحافة كي أكون قريبة من الإنسان. ليس سهلًا ربما أن أغير الواقع، لكنني على الأقل كنت قادرة على إيصال ذلك الصوت إلى العالم...أنا شيرين أبو عاقلة». هكذا عرفت عن نفسها.

ليس فقط صوتك الذي وصل، بل دماؤك حركت المياه الساكنة، ونفضت الغبار عن الضمائر النائمة.