في حياتنا الكثير من الأحزان والأفراح، ولكن الحزن له وقع خاص، وتختلف مراحله وشدته حسب الحدث؛ من فقدان عزيز أو الانفصال عن شريك إلى فقدان وظيفة أو فرصة أو الإصابة بمرض مزمن، وغالبًا ما تصادفنا حالات حزن لأشخاص داخل المركز في دائرة حياتنا أو حتى في الدوائر التي تحيط بها، فأحيانًا كثيرة نريد وبشدة تقديم المساعدة ولكن تخوننا العبارات ونصبح في حيرة، لا نعرف ما يجب أن نقوله غير الجمل المعتادة التي تُردد في مثل تلك الظروف، وبهذا بدلًا من أن يجد أصحاب المحنة العون يجدون مجرد كلمات عابرة ثم يتركون ليواجهوا أحزانهم في غربة الوحدة!

ليس المطلوب أن نُصلح ما يمر به الآخر، وقد لا يكون في مقدرتنا القيام بذلك حتى وإن رغبنا، ولكن المطلوب المشاركة بالإصغاء والتفهم لما يمر به من مستويات الحزن، فعلى الرغم من أن الحزن هو رد طبيعي للفقدان، إلا أن معظمنا غير مستعد لمواجهته، فمجتمعاتنا لا تجهزنا أو تعلمنا عن ماهية الحزن أو حتى كيفية معالجته بطرق صحية، كما أننا في أحيانٍ كثيرة نجهل كيفية دعم من يعيش هذه الآلام!

لا أحد ينكر أننا في وقت الأزمة، يسارع الغالبية ليتفاعلوا مع الحدث، ولكن ماذا بعد مرور الصدمة الأولى؟ إلى أي مدى نحن مستعدون أن نبقى في حياة أولئك الذين ندعي أننا نهتم بهم؟

نعم إنه من الصعب جدًا رؤية الأشخاص الذين نهتم بهم وهم يتألمون، وقد نقف في حيرة من أمرنا بكيفية التعامل معهم، وقد يكون الأمر أكثر صعوبة عندما لا نجد شيئًا يمكننا القيام به لتخفيفه أو التخلص منه!

ولكن الذي يحدث هو أننا، مع مرور الوقت وحتى إن رغبنا أن نبقى... نبتعد!

تشغلنا الحياة فنبتعد تاركين المصاب وحيدًا يتعامل مع مشاعر النسيان والإهمال!

نحن ليس لدينا حل وسط، إما كلمات نرددها في البداية كأنها حمل نرميه عند آذان المكلوم أو عدم القيام بأي شيء بالالتزام بالصمت، ومن ثم نختفي من الصورة تمامًا!

في الأوقات العصيبة ما يجب أن نقوم به هو معرفة ماهية الحالة التي يمر بها الشخص المكلوم حتى نتفهم كبداية ردة فعله وعليها نستطيع أن نقدم العون، المهم ألا نتركه وحيدًا، أن نبقى حوله ونداوم على التحدث معه والإصغاء إليه، وإن كان لا بد أن نبتعد يجب أن نستمر بالتواصل بشكل متكرر مركزين على التوازن ما بين التواجد وتوفير المساحة اللازمة بحيث لا نثقل عليه، أن نشعره بأننا متعاطفون ونفكر به وأنه في دعائنا دائمًا، لنرسل له بعضًا من الزهور أو نقدم هدية مهما كانت بسيطة، لنخرجه مما هو فيه بدعوة إلى مطعم أو قهوة برفقة الأصدقاء أو نزهة خارج المنزل، ولا ننسى التواصل برسائل قصيرة قد لا يأخذ منا إرسالها سوى بضع ثوان، ولكن تأثيرها كبير وقوي في مساعدته على محاربة الوحدة.

قد يسأل أحدكم ما هي مراحل أو مستويات الحزن التي يجب أن نتفهمها؟

إنها نظرية «المستويات الخمس للحزن»، كنت قد قرأت عنها مؤخرًا وهي التي أطلقتها الدكتورة إليزابيت كوبلر روس، الطبيبة النفسية التي كانت تعالج المرضى الميؤوس من شفائهم، وهذه النظرية تشمل خمس مراحل من الحزن وحسب ترجمتي هي كالتالي:

• الإنكار: عندما تعلم بالخسارة لأول مرة، من الطبيعي أن تفكر، «هذا لا يحدث» قد تشعر بالصدمة أو التخدير. هذه طريقة مؤقتة للتعامل مع اندفاع المشاعر الغامرة. إنها آلية دفاع.

• الغضب: عندما يتضح الأمر ويصبح واقعًا، فإنك تواجه ألم خسارتك. قد تشعر بالإحباط والعجز. تتحول هذه المشاعر فيما بعد إلى غضب. قد توجهها نحو الآخرين، أو الحياة بشكل عام. أن تكون غاضبًا من شخص عزيز مات أو تخلى عنك أمر طبيعي أيضًا.

• المساومة: خلال هذه المرحلة، تفكر مليًا فيما كان عليك فعله لمنع الخسارة. الأفكار الشائعة هي «لو أنني... لو أن...» و«ماذا لو...»، وقد تقدم النذور أو التنازلات متمنيًا تغيير الواقع.

• الاكتئاب: يبدأ الحزن عندما تبدأ في فهم الخسارة وتأثيرها في حياتك. تشمل هذه المرحلة علامات الاكتئاب مثل البكاء ومشاكل النوم وانخفاض الشهية. وقد تشعر بالإرهاق والندم والوحدة.

• القبول: في هذه المرحلة الأخيرة من الحزن، تتقبل حقيقة خسارتك، وأنك لا يمكن تغيير الواقع.

ولكن على الرغم من أنك ما زلت تشعر بالحزن، يمكنك البدء في المضي قدمًا في حياتك.

دورنا هنا يتمثل في تقديم كل ما يمكن لمساعدتهم على التكيف مع الخسارة والبدء في التعافي، بأن نمنحهم فرصة لمنح أنفسهم الوقت لتقبل المشاعر، ونحاول أن نجعلهم يدركون أن الحزن مجرد عملية تمر بمراحل،

ولا نتركهم وحدهم، ونساعدهم على التحدث عما يؤلمهم سواء مع مجموعات دعم ممن يمرون بالظروف نفسها ،أو أن نصغي لهم باهتمام في وسط عائلي متعاطف، وتحت أي ظروف لا نسمح لهم بأن يدخلوا في عزلة عمن حولهم، لنشجعهم على الرياضة وممارسة الهوايات، ونتعرف على الأنشطة التي تجلب لهم السعادة ونشغلهم بها، ولنحرص على أن يتناولوا الغذاء الجيد والقسط الكافي من النوم.

المهم أن ندرك أن كل فرد يمر بهذه المراحل بطريقته الخاصة، وقد يتنقل ما بينها وتتكرر أكثر من مرحلة، أو قد يتم تخطي مرحلة تمامًا، وقد يعود الألم في حالات مثل ذكرى الوفاة، أو الاستماع إلى أغنية كانت مفضلة لدى الشريك الراحل أو الذي كان، أو فتح ألبوم صور قديمة، أو المرور على مكان كانت فيه ذكريات، هنا يجب أن نتفهم ما يعتريه من مشاعر، ونحاول أن نحتويه ونقدم الدعم بالتفهم والمواساة والمؤازرة، كي يعود إلى حالته الطبيعية، وينطلق إلى المستقبل بكل حيوية ونشاط.