نحمد الله تعالى على سلامة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، وخروجه من المستشفى بصحة وعافية وأجر، ونقول (لابأس طهور إن شاء الله).

وفي الحديث الذي رواه البخاري (من يرد اللَّه به خيراً يصب منه)، وفي الحديث المتفق عليه (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر اللَّه بها من خطاياه)، فنسأل الله أن يعظم الأجر لخادم الحرمين الشريفين، وأن يسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة.

إن مكانة ولي الأمر في الشريعة عظيمة جدا، فالله جل جلاله أمرنا بطاعته والاجتماع عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم أمرنا باحترامه وتوقيره وإكرامه وعدم منازعته أو الخروج عليه، والأحاديث في هذا كثيرة ومعلومة، ولأجل ذلك فإن الناس يدعون لولي الأمر بالخير وعظيم الأجر، والصحة والعافية، فنحن لا شيء بدون ولاة أمرنا، ولا يخالف في ذلك إلا ملوث الفطرة، ضعيف الديانة، زائغ القلب.

وقد جاء في كتاب السنة (إذا رأيت الرجل يدعو للسلطان فاعلم أنه صاحب سنة، وإذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى).

قال الحسن البصري - في ولاة الأمر - (هم يلون من أمورنا خمساً: الجمعة، والجماعة، والعيد، والثغور، والحدود، والله لا يستقيم الدين إلا بهم).

وفي هذا المعني يقول الفقيه أبو عبد الله القلعي الشافعي في كتابه «تهذيب الرياسة» (نظام أمر الدين والدنيا مقصود، ولا يحصل ذلك إلا بإمام موجود، لو لم نقل بوجوب الإمامة، لأدي ذلك إلى دوام الاختلاف والهرج إلي يوم القيامة، لو لم يكن للناس إمام مطاع، لا نثلم شرف الإسلام وضاع، لو لم يكن للأمة إمام قاهر، لتعطلت المحاريب والمنابر، وانقطعت السبل للوارد والصادر، لو خلا عصر من إمام، لتعطلت فيه الأحكام، وضاعت الأيتام، ولم يحج البيت الحرام، لولا السلطان، لكان الناس فوضى، ولأكل بعضهم بعضا).

ولهذا كان أجر من يُعظِّم السلطان في النفوس أن الله يكرمه، وأن من يفتئت عليه، يهينه الله، قال صلى الله عليه وسلم (السلطان ظل الله في الأرض، فمن أكرمه أكرمه الله، ومن أهانه أهانه الله)، ومعنى (ظل الله) أي يدفع الله به الأذى عن الناس، كما أن الظل يدفع أذى حر الشمس، وأضيف الظل إلى الله تعالى، إعلاماً للناس بأنه ظل ليس كسائر الظلال، فهو أرفعها وأجلها، وأعظمها فائدة ونفعاً، وهذه الإضافة إلى الله إنما هي إضافة تشريف كما يقال بيت الله، وكعبة الله، ونحو ذلك، ففيه إشارة إلى علو مكانة السلطان وشرف منزلته.

ومعنى (أكرمه الله) أي: أن من أكرم السلطان ديانة لله بصدق وإخلاص، وذلك بحفظ ما أثبته الشارع لولي الأمر من الحقوق والواجبات فأجله وعزره وقدره، وجمع القلوب عليه، ولم يخرج عن أمره في المعروف، كان جزاؤه من جنس عمله المبارك، وهو أن الله تعالى يُكرمه في هذه الدنيا، برفعته وتسخير قلوب العباد لإكرامه، وفي الآخرة بدخول الجنة.

وفي المقابل: من قلل من شأن ولي الأمر بفعل أو قول أو اعتقاد، وهوّن من شأن إمامة المسلمين، فإن الله يهينه ويخزيه.

وقد سبق أن قلت: ولا أزال أقول إن (الوطن والقيادة متلازمان)، فلا معنى للوطن بدون هذه القيادة، التي (بتوفيق الله) رفعت رؤسنا في الآفاق، وجمعتنا بعد التفرق، وعلمتنا بعد الجهل، وألفت بين قلوبنا بعد العداوة، ونقلت بلادنا من صحراء قاحلة، إلى دولة متقدمة في شتى المجالات هي اليوم من دول العشرين العظمى في العالم، وخدمت الحرمين الشريفين والأماكن المقدسة خدمة ما عرف التاريخ لها مثيلا، وطبعت المصحف الشريف وترجمت معانيه ووزعته على أنحاء العالم على نحو لم يسبق له مثيل في التاريخ، ولذلك فحب قيادتنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان، دينٌ وإيمان، وكراهيتهم فسق وعصيان، والله تعالى يعلم وهو العليم بذات الصدور أني أقول ذلك بإخلاص وعلم ومراقبة لله فيما أقول.

أدام الله على بلادنا الأمن والإيمان، وعلى ولاتنا العز والتوفيق.