احتفظ وادي ضباعة بأبها منذ مئات السنين بهيئته وتعرجاته الطبيعية ومحاذاته لحي بسطة القابل الشهيرة، فيما يقابله في الجهة الشمالية حي الصفيح، وبقي الرئة اليسرى في تجويف المدينة لم يُتلف مجراه التلوث وأطماع البشر.

ومع قرب الانتهاء من إعادة تأهيل البسطة كمسار سياحي بطرزها المعمارية الجميلة، ودروبها العتيقة أصبحت اليوم بحاجة إلى إطلاق مشروعات سياحية عصرية، تتمثل في إقامة فندق تراثي وإعادة إحياء المزارع الملاصقة للبسطة من الجهة الشرقية من خلال تنفيذ متنزه طبيعي، مثلما كانت تلك الربوع قبل قرن من الزمان جنة خضراء تعزف ألحان الحياة مطرزة بالورود، تتوسطها البساتين والمزارع والكظائم والآبار كمنظومة بيئية متكاملة.

ووادي ضباعة أو «وادي الصفيح»، يصفه أهل أبها بالوفاء، ويصنفونه بأنه منهل كريم على المدينة وسكانها، حيث لم يسمح بأمر خالقه لملايين أطنان المياه أثناء نزول الغيث، أن تخرج عن ضفتيه وكانت الغدران لا تجف أغلب أيام العام.

ولم يذكر المؤرخون مداً خطيراً على الأحياء المجاورة، بل كان وادياً جميلاً مسالماً وإن فاض مع قوة السيول يأتي مده يسيراً، على المزارع الجنوبية التي كان يُطلق عليها «وساع»، بمعنى أنه لم يكن ضمن أودية تُنذر بالخوف والخراب مثل وادي في مدينة ضمد بمنطقة جازان، حين عاتبه الشاعر أحمد بن علي بن حسن البهكلي رحمه الله قائلا.

«وياأيُها الوادي المحبّبُ

عندما جنيت علينا حين كان لك المدُ

عدلتَ عن المجرى الذي فيه نفعنا

وأقبلت للأوطان مستأكلا يعدو»

ولاشك أن شق مجرى بمحاذاة الضفة الجنوبية للوادي، كمشروع نهر صناعي ممتلئ بالمياه حسب نظرية «الأواني المستطرقة» سيصنع بإذن الله منجزاً سياحياً في غاية الروعة والجمال، لأن المكان مؤهل تماما لتنفيذ مشروع ناجح بهذا النوع والحجم.

ويبدأ من القابل حتى التقائه بوادي أبها الكبير في حي لبنان، وهي مسافة تُقدر بكيلوين، وعلينا أن نتخيل حين نشاهد القوارب الصغيرة تسير فيه جيئة وايابا، وتطل من على ضفتيه مطاعم وشاليهات، ومراكز للهوايات والفنون والتسوق وغير ذلك من النشاطات.

وأعتقد أن أبها بحاجة ماسة لمشروع بحيرة أو نُهير صناعي، وتاريخها وتكوينها الطبيعي يشهدان بأنها مدينة الماء والضوء والسحاب والغيث والجمال.

لا يأت أحد يسأل وماذا عن بحيرة السد؟ فمن البديهي أن الناس يعلمون الأهداف التنموية العظيمة من سد أبها وبحيرته، كمخزون إستراتيجي مهم لمياه الشرب وليس للسياحة فقط.

وما أوردته من أفكار قد تكون أمنيات وأحلاما، لكنها ليست مستحيلة ويمكن تنفيذها فنحن في زمن العزم والحزم والهمم العالية، وجميع الاختراعات ومنجزات الحضارة العالمية والذكاء الاصطناعي، بدأت بخيالات وأحلام ومن حق الإنسان أن يحلم، طالما قلبه ينبض بحب وطنه وكل ذرة تراب من أرضه الطاهرة.