قد تتغير آسيا عندما تدرك أهمية وحدتها بين وسطها في الجمهوريات الإسلامية، وجنوبها في إيران والهند، وجنوب شرقها في الملايو وإندونيسيا وشرقها في الصين، وشمالها في روسيا وغربها في تركيا.

وحدة آسيا هي الكفيل بالمحافظة عليها ضد أي غزو غربي وقتي أو دائم،وضد إقامة قواعد أمريكية ثابتة فيها تكون منطلقًا للعدوان على أطرافها وتهدد الجميع.

والمسلمون هم قلب آسيا، منتشرون في الهند والفلبين والصين وروسيا، والحضارة الإسلامية والبوذية والهندوكية تعايشت على مر العصور في تناغم وتآلف طبقًا للنموذج الآسيوي، تتعلم آسيا أن وحدتها خير ضمان لاستقلالها، وأن الخلافات بين دولها، بين الهند وباكستان أو إيران وأفغانستان أو تركيا والعراق أو دول الخليج وإيران أو إيران والعراق أو بين أذربيجان وأرمينيا أو بين الهند والصين تمثل خطرًا على وحدة آسيا، وتسمح للنفوذ الغربي بالدخول إلى آسيا للاستفادة من التناقض بين دولها، تنحاز مرة إلى أحد الطرفين حتى تأخذ منه ما تريده ثم تنحاز مرة أخرى إلى الطرف الآخر، وتأخذ ما تريد كالقط الذي يحكم بين فأرين على اقتسام قطعة الجبن في قطعتين غير متساويتين، فيقضم الكبيرة لتصبح صغيرة فتصغر أكثر، ثم يقضم الأخرى لتصبح صغيرة فتصغر أكثر وتكبر الأولى حتى يأتي على القطعتين معًا.

إن آسيا باتساعها وأسواقها، وشعوبها، وكتلتها السكانية، أربعة أخماس العالم، وقواها البشرية، وموادها الأولية، وعقولها العلمية، وتاريخها العريق لقادرة على أن تمثل تكتلًا يضم أربعة أخماس سكان العالم، وأن تكون اليابان في صلبه آسيوية لا غربية، وأن تتعرض لتآمر أسواق المال العالمية كلها، فريح الشرق تهب الآن من الغرب على آسيا كما هبت ريح الغرب في العصور الحديثة على آسيا، فقد سارت روح التاريخ قديمًا من الشرق إلى الغرب والآن تعود الى الشرق من جديد.

وتتعلم أفريقيا أن الدور ربما آت عليها من أجل استمرار نهب موادها الأولية وأسواقها وعمالتها وتاريخها. فقد ارتبطت أفريقيا بآسيا عبر العصور، عبر مصر من خلال سيناء بغزوات الفرس في مصر القديمة أو بالفتوحات الإسلامية بعد خروج العرب والمسلمين الأوائل إلى أفريقيا لفتح مصر والمغرب حتى الأندلس، وكان بين عرب شبه الجزيرة العربية ومصر القبطية صلات تجارة ورحم. وتزوج الرسول منها، وأوصى بأقباط مصر خيرًا، وأثنى على جندها خير أجناد الأرض وعلى شعبها المرابط إلى يوم القيامة، كما توطدت العلاقة بين آسيا وأفريقيا من القرن الأفريقي عبر التاريخ حول زنجبار، وبين جنوب أفريقيا والهند والملايو أثناء الاستعمار الأوربي الحديث، وأثناء حركات التحرر الوطني انضمت آسيا وأفريقيا إلى باندونج ونشأت منظمة تضامن شعوب آسيا وأفريقيا.

ويتعلم العرب أن الإحباط يولد الانفجار، وأن العجز يؤدي إلى العنف، وأن الصمت ينتهي إلى الصراخ، وأن حوادث سبتمبر الأخيرة إنما كانت رد فعل على الصمت الغربي على ما يحدث في فلسطين بعد عام من انتفاضة الاستقلال، وقتل الأطفال والنساء والشيوخ، وتصفية القادة، وتجريف الأراضي، وهدم المنازل، وتأييد أمريكا لما تفعله إسرائيل بالإعلان أو الصمت، ووصف المقاومة الفلسطينية بأنها إرهاب.

لقد وضح للجميع أن المعيار المزدوج الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية على نحو مطلق وأوربا على نحو نسبي إنما يولد العداء للغرب ولأمريكا. ومن ثم فإن الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس هو الطريق لنزع جذور العنف وأعمال اليأس فالشهيد ليس لديه ما يخسره في الدنيا. لا أرض ولا وطن، لا حاضر ولا مستقبل، لا عون ولا تأييد، فيستبدل الموت بالحياة، والآخرة بالدنيا، ونعيم الجنة بدار الأرض.

بعد أن رأى العالم كله آثار الإرهاب الصهيوني عليها، وعرف الفرق بين إرهاب الأفراد وإرهاب الدول، بين الإرهاب كفعل، والإرهاب المضاد كرد فعل، بين الإرهاب القاهر والإرهاب المحرر.

لقد استعمل لفظ (الإرهاب) في القرآن الكريم ثماني مرات، خمس منها بمعنى الرهبة من الله والخوف منه مثل:

(وإياي فارهبون)، (هم لربهم يرهبون)، (ويدعوننا رغبًا ورهبًا)، ومرتان إرهاب المسلمين للعدو وهو إرهاب إيجابي وتخويف له ليس عن طريق العنف الفعلي بل عن طريق الإيحاء بالقوة والتلويح بها (ترهبون به عدو الله وعدوكم)، ومن لا يخاف الله يخيفه المؤمنون (لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله).

ومرة واحدة إرهاب القوة للمسلمين مثل إرهاب سحرة فرعون للمؤمنين (واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم).

2002*

* باحث وأكاديمي مصري «1935 - 2021».