المتابع لبعض ما يكتب ويقال في بعض الصحف والقنوات ووسائل التواصل، يلحظ معلومات تقال وتُكتب وهي غير صحيحة، ورغبة في بيان الحق، ورد الخطأ، كتبت هذا المقال الذي أنقل فيه ملخص القول الخطأ الذي قيل، ووجه الخطأ فيه، ثم أبين القول الصواب بدليله، والله المسؤول أن يجعل ما نكتبه نافعًا، ولوجهه خالصًا، وهذا أوان الشروع في الموضوع.

1- قال بعضهم - هداه الله - ما ملخصه:

على الدولة وضع القوانين المُنظِّمة لحياة الناس، وتطبيقها، وأما التدين، والنهي عن اقتراف المنهيات الشرعية، فليس من شأنها، وإنما يترك للأفراد.

وأقول:

هذا تقوّل على الدولة بمعلومات غير صحيحة، والدليل على أن هذا تقوّل غير صحيح، أنه جاء في المادة 23 من النظام الأساسي للحكم ما نصه: (تحمي الدولة عقيدة الإسلام، وتطبق شريعته، وتأمر بالمعروف وتنهى عـن المنكـر، وتقوم بواجب الدعوة إلى الله).

فالدولة - كما ترى أخي القارئ - تنص على أنها تنهى عن المنكر، وتدعو إلى الله تعالى، والواقع أيضًا يدل على ذلك، فأجهزة الدولة تنهى عن المنكر، فمكافحة المخدرات تنهى عن منكر المخدرات، وأمن الدولة ينهى عن منكر زعزعة الأمن، ومكافحة الفساد تنهى عن منكر الفساد المالي والإداري، ووزارة التجارة تنهى عن منكر الغش التجاري، والنيابة العامة تنهى عن منكر التحرش، وهكذا بقية أجهزة الدولة تقوم بما ينفع الناس وهو (المعروف) وتنهى عن ما يضر الناس وهو ( المنكر)، وأيضا تدعو إلى الله، ليكون تدين الأفراد تدينًا صحيحًا وفق ما أمر الله به ورسولُه، ولم تقل هذا شأن الأفراد فقط ولا علاقة للدولة به، ولذلك فإنه من غير المقبول أن يتحدث أحد باسم الدولة، وهو غير مأذون له، بأن لها كذا، وليس من شأنها كذا، لأن هذا نوع من الافتئات على الدولة أعزها الله بطاعته، وتضليل للرأي العام بمعلومات غير صحيحة.

2 - قال بعضهم هداه الله: للناس أن يتبعوا أي مذهب عقدي يريدونه وتطمئن له نفوسهم.

وأقول: هذا القول فيه دعوة للأحزاب والجماعات والانقسامات العقدية، وهو مخالف لكتاب الله وسنة رسوله ومخالف للنظام الأساسي للحكم، فالله تعالى نهانا في آيات كثيرة أن نكون كالذين تفرقوا، وكانوا شِيَعا، كل حزب بما لديهم فرحون، والنظام نهى عن كل ما يؤدي إلى الفرقة والانقسام، فقد نصت المادة 12 من النظام الأساسي للحكم على ما يلي (وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام).

ثم إن قولهم إن: للناس أن يتبعوا أي مذهب عقدي يريدون، معناه ومؤداه: أن من شاء فليتبع منهج الخوارج أو غيره من المذاهب العقدية، مادام أن العبرة بما تطمئن له نفسه وهواه، فهذا لازم قولهم، وبطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم.

ونقول أيضًا: إن الله جل وعلا يقول (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله)، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين)، بينما يقول هؤلاء: عليكم بأي مذهب عقدي تهوونه، أليست هذه جرأة، ومناقضةٌ لما أمر الله به ورسولُه؟!!

3 - يقول بعضهم: يجب تفكيك التدين الجماعي وبيان خطره وخطؤه.

ووجه الخطأ في ذلك: هو زعم دعاة التفكك: أن تدين جميع المجتمع لرب العالمين، يعد خطأ، بل وخطيرًا، مما يعني عندهم: أن انفلات بعض المجتمع وتفكك تدينه أمر مطلوب.

والصواب: أن تدين المجتمع المسلم لله رب العالمين فضيلة وليس خطيئة قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) أي: في الإسلام، وقال تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)، فالله يأمر بالاجتماع على دينه وعدم التفرق، وهؤلاء ينادون بنقيض ما أمر الله به، ينادون بتفكيك تدين المجتمع، مخالفين بذلك أمر الله ورسوله، ومخالفين أيضًا ما نصّ عليه النظام الأساسي للحكم في المادة 25 من: «أن الدولة تحرص على توحيد الكلمة» ومعلوم أن توحيد الكلمة إنما يكون بكلمة التوحيد والعمل بمقتضاها.

وكان على دعاة التفكك: أن يعلموا أنه لا خير في التفكك، والانفلات.

وإنما الخير كله في التدين لله تعالى، وفق شريعته، لأنه يؤدي إلى حفظ الضرورات الخمس، ويؤدي إلى الحفاظ على كيان الدولة، والسمع والطاعة لولاة الأمور، وعدم منازعتهم، ويمنع من الخروج والثورات والفتن التي دعا إليها كثير من الإخوانيين واللبراليين كما هو معلوم، ولأنه مقتضى أمر الله ورسوله، وفي منصوص اعتقاد أهل السنة والجماعة قولهم (ونرى الجماعة حقًا وصوابًا، والفرقة زيغًا وعذابًا)، فالاجتماع على الدين الصحيح الذي فيه لزوم إمام المسلمين هو المطلوب شرعًا وعقلا، فما المصلحة من الدعوة إلى التفكك والتفكيك ؟!!

4 - يقول بعضهم ما ملخصه: إنه يجب أن ندع الناس وشأنهم بأن يتعبدوا ربهم بما تمليه عليهم قلوبهم وعقولهم، وأن يُتركوا ليفهموا من النص مباشرة ما تطمئن له عقولهم، وأن هذا هو الإصلاح الديني.

ووجه الخطأ في ذلك: أن في هذا القول تخطئة لجميع الرسل عليهم الصلاة والسلام لأنهم دعو الناس إلى عبادة الله، و لم يتركوهم وعباداتهم التي تمليها لهم عقولهم وأهواؤهم بل قالوا (إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُون).

كما أن في هذا القول وهو فهم النص حسب ما يهواه الإنسان، ويطمئن إليه، دعوةٌ لمذهب الخوارج ونحوهم، لأنهم هم الذين يقفزون لفهم النصوص مباشرة، وهم جهال بمعرفة أصول الفقه، ودلالات الألفاظ، وأسباب النزول، وتنزيل الأحكام، وأقوال الصحابة وعلماء الإسلام، وقد قال ابن عمر رضي الله عنه عن الخوارج كما في صحيح البخاري (إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين).

ونقول أيضًا:

إذا كان المرجع في فهم النصوص هو عقل كل أحد، فلكلٍ عقل، فبعقل مَنْ يوزن كلام الله ورسوله؟ إذ العقول متفاوتة. فهم النص حسب ما يهواه الإنسان، ويطمئن إليه، دعوةٌ لمذهب الخوارج، لأنهم يقفزون لفهم النصوص مباشرة، وهم جهال بأصول الفقه، ودلالات الألفاظ.