شهدت محطات الأزمة اليمنية بين الحكومة الشرعية والميليشيات الحوثية تحولات كبيرة منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014 بعد ركود طويل عن المفاوضات وتبادل الأسرى، ومنذ تعيين مبعوث أممي جديد في 5 سبتمبر 2021 هو الرابع لليمن، في توجه جديد لدى الأمم المتحدة والولايات المتحدة في إتمام تسوية سياسية شاملة، والتي خلصت في دعم خطوات مجلس التعاون الخليجي بإعلان المجلس الرئاسي ونقل الرئيس السابق عبدربه منصور هادي صلاحياته للمجلس في خطوة تعد الأولى لإنهاء الصراع بين الفرقاء السياسيين داخل الشرعية اليمنية، على نحو يغلق صفحة الاحتكاك المسلح بينهم بعد أحداث شقرة الدموية، فيما تضمنت باقي الأبعاد الأخرى إعلان هيئة المصالحة والتشاور تعزيزا لدور المجلس الرئاسي في المحافظات المحررة.

كما تقضي بدخول الجانب السياسي حيز التنفيذ بدعم دولي وإقليمي للوصول إلى تسوية سياسية شاملة يتبعها إيقاف إطلاق النار وكافة أشكال العمل العسكري، كما سيلحق ذلك البعد الاقتصادي بمنح البرلمان اليمني الثقة للحكومة في جلسة انعقدت في عدن21 أبريل 2022 ومن المرجح أن انعكاسات إعلان المجلس الرئاسي وتفعيل صلاحياته وتحرك المبعوث الأممي وإعلان تبادل الأسرى بين التحالف والحوثيين ستأتي أكلها بالتبعية إلى فك عقدة أبعاد الأزمة اليمنية.

هدنة ومسار سياسي

أعادت الهدنة التي أعلن عنها المبعوث الأممي هانس غرونبرغ إلى اليمن في 2 أبريل 2022 زيادة فرص كبيرة للسلام بين أطراف الحرب وأدخلت 18 ناقلة وقود إلى ميناء الحديدة وتنظيم أول رحلة إلى مطار صنعاء الدولي من مطار الملكة عليا بالأردن في 16 مايو 2022، وتضمن الجانب الإنساني إتمام مبادرة تبادل الأسرى بتنسيق من الصليب الأحمر الدولي الذين وصلوا إلى العاصمة المؤقتة عدن، فيما أعلن الناطق باسم جماعة الحوثي أن الأسرى المفرج ليسوا من الأسرى، كما صرح الإعلام العسكري في الجيش اليمني في 15 أبريل 2022 بأن «61 خرقا» من قبل الميليشيات الحوثية خلال 14 يوماً، ويعتبر بعض المراقبين أن تصريح جماعة الحوثي هو تشكيك وخرق جهود السلام الدولية وربما يؤثر في إنهاء الأزمة اليمنية مستقبلاً بشكل عام، ويضع عقبات تزيد من حدة الصراع في اليمن بعد الانقلاب الحوثي على الشرعية في (سبتمبر 2014)، وينظر المحللون أن مسار الهدنة بالنسبة للحوثيين تعتبر «ترتيب أوضاعهم لإطالة أمد الحرب» في الجانب الآخر أن رؤية ومنظور التحالف والحكومة الشرعية والمجلس الرئاسي عن تسجيل خروقات من الحوثيين هي اكتساب الرأي العام العالمي، حيث أعلن أن الحوثيين منظمة إرهابية خارجية، وبات لدى الحكومة الشرعية الرهان على إصدار مجلس الأمن مزيداً من العقوبات على الحوثيين.

مساع أخرى يقوم بها تحالف دعم الشرعية في اليمن في ترتيب أوضاع الشرعية اليمنية من الداخل وهي المشاورات اليمنية– اليمنية التي أقيمت في الرياض بإشراف مجلس التعاون الخليجي 29 مارس إلى 7 أبريل 2022م تمخضت عنها تنازل ونقل صلاحيات الرئيس عبدربه منصور هادي إلى المجلس الرئاسي بقيادة الرئيس رشاد العلمي في 7 أبريل 2022 وكما يعد إدخال ممثل المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي صفة شرعية للمجلس الانتقالي.

عزز المجلس الرئاسي وجوده داخل العاصمة المؤقتة عدن، وارتفع نفوذ الشرعية بالتالي سيطر حضوره السياسي داخلياً وخارجياً أمام الحوثيين واستحواذها على ثلثي مساحة الأرض اليمنية القابلة للزيادة في ظل جبهات متعددة على الأرض وانتصارات متتالية لقوات العمالقة الجنوبية، طمس ما يسمى الحكومة الاغتراب التي لا يتوقع أن تستمر المكوث في العاصمة عدن بحسب خطاب رئيس الوزراء معين عبد الملك أمام جلسة البرلمان اليمني والتي اختزل فيها معاناة الوزراء وتعرضهم لتصفية والاغتيال ملوحاً بأن بقاءهم يشكل خطر على الدولة.

بعد السلام والحرب

وافقت كل الأطراف على الهدنة الأممية المحددة بشهرين التي بدأت في 2 أبريل معبرة عن إيقاف إطلاق النار التي وجدت ترحيباً من جميع المجتمع الإقليمي والدولي، كما يعتقد مراقبون أن الهدنة «عقيمة» لم تفض إلى آلية مزمنة بعد فترة الشهرين بإيقاف شامل لإطلاق النار ونزع السلاح من الحوثيين لتمهيد التفاوض وإلى تسوية سياسية شاملة، ما يدور حالياً هو عودة جميع القوات سواء الشرعية أو التابعة للميليشيات الحوثية وإعادة تمركزها وربما بمجرد انتهاء الهدنة ستعود كل الأطراف إلى الحرب ناهيك على أن القوات الحوثية ستعيد كل طاقتها بعد رفع الحصار عن مطار صنعاء وميناء الحديدة.

لقد امتلك الحوثي صواريخ باليستية وطائرات مسيرة لم تتمكن من صنع فارق لدى جبهاتها القتالية ولكن تستخدمها لضرب أهداف استراتيجية اقتصادية سعودية، كما أن المعارك الأخيرة في شبوة وتحرير مديرية عسيلان وبيحان تؤكد ضعف الميليشيات الحوثية عسكرياً، في المقابل التحالف لديه القدرة على تخطي وإفشال مقذوفات الحوثيين في أوقات كثيرة يجعل من «فزعاه» للضرب مصادر الطاقة العالمية.

اقتصاد يتأرجح على شوكة ميزان

ما زالت تهيئة الظروف الاقتصادية في اليمن مرهونة بإيقاف الحرب وباستقرار الريال اليمني الذي يتخطى اليوم حاجز الألف ريال يمني مقابل الدولار في المناطق المحررة و564 ريالا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثي بسبب تعامل الحوثي بطبعات الأوراق النقدية القديمة ولم تعترف بالجديد منها، كما أن إعلان البنك المركزي اليمني بمزادات علنية لبيع العملة الصعبة هو دليل على اتخاذ إجراءات صعبة تكلف الدولة احتياطها من العملة الصعبة، لم يستطع البنك المركزي اليمني ولا الحكومة اليمنية أن توقف نزيف هرولة الريال طوال أكثر من 5 أشهر بسبب تكدس النقد بيد شركات الصرفة التي تعمل في غسل الأموال وتهريب العملة وضخ السيولة النقدية اليمنية إلى السوق، لتفادي حدوث الكارثة الاقتصادية على غرار الانهيار اللبناني وإفلاس البنك، أعلنت السعودية والإمارات عن ثلاثة مليارات و600 مليون دولار لدعم صندوق شراء المشتقات و400 مليون دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية لم تتسلم الحكومية اليمنية منها شيئا بحسب تصريح محافظ البنك المركزي ورئيس الوزراء في أكثر من محفل.

للتذبذب الاقتصادي اليمني انعكس في إيقاف صرف الرواتب، وتأكل البنية التحتية، وتراجع الخدمات بشكل عام في جميع المحافظات المحررة. وعلى الأرجح، فإن تنظيم الإيرادات وإيداعها في البنك المركزي اليمني وتنظيم شركات الصرافة وإنهاء المضاربة سيتعافى الاقتصاد تدريجياً ولو استمرت الحرب.

في الختام، يحفز دخول أطراف الحرب في اليمن في هدنة أممية الفرصة لاستتباب تسوية سياسية وتعديل مسار الحل من عسكري إلى سياسي بحت، وإنهاء حالة التوتر التي بدأت منذ 2015 بين الحوثيين وتحالف دعم الشرعية والحكومة الشرعية، يتزامن ذلك مع الرغبة الأممية والأميركية في إنهاء الصراع ووقف شامل لإطلاق النار، وتبني مجلس التعاون الخليجي للمشاورات اليمنية- اليمنية وتنحي الرئيس وتشكيل مجلس رئاسية وهيئة مصالحة يمنية لتمهيد الطريق نحو تسوية الصراع التاريخي في الجنوب والشمال.

كما يمكن الحديث عنه أن دخول الأطراف في هدنة أممية لمدة شهرين هي بداية لطريق جديد بين أطراف الصراع في اليمن والرغبة الدولية، وستكون نتيجة تجربة الهدنة تكوين تكتل دولي يدافع عن طرف السلام ويستخدم العقوبات ضر الطرف الآخر.