يحكى أن رجلًا كان يتمشى على شاطئ البحر حين رأى صبيًا منشغلًا بالتقاط نجم البحر وإعادة رميه في البحر، وقف مستغربًا من المشهد، فالمعروف أن الأطفال عادة ما يجمعون أصداف البحر وما شابه ذلك من على الشواطئ كي يحتفظوا بها وليس لإعادتها إلى مصدرها! هنا اقترب الرجل من الطفل المنهمك في مهمته حتى أنه لم ينتبه لاقتراب الرجل منه، لكنه توقف ونظر إليه حالما سمع صوته وهو يسأل: «لماذا ترمي نجم البحر في الماء ثانية؟!»، نظر الطفل بكل براءة للرجل وأجاب بصوت يدل على أن ما سيقوله من البديهيات:

«المد ينخفض، وإذا لم أعدهم إلى الماء، سوف يجفون ويموتون!»، هنا قال الرجل مستخفا بمجهود الصبي: «لكن، هنالك أميالًا من الشاطئ وآلافًا من نجوم البحر في كل ميل، ولهذا لا يمكنك إحداث فرق!»، ابتسم الصبي وانحنى ليلتقط نجم بحر آخر وألقاه في البحر، ثم استقام والتفت إلى الرجل وقال: «ربما، ولكن قد أحدثت فرقًا بالنسبة لذاك النجم».

القصة تمثل ما يعنيه تطوع فرد أو مساعدته لأخيه الإنسان. ومجرد دخولك عزيزي القارئ لهذه المقالة يعني أنك تريد معرفة المزيد عن إحداث الفرق، وهذا بحد ذاته خطوة في الاتجاه الصحيح، فالعالم اليوم يحتاج إلى المزيد من أمثالك، فأنت تهتم بالآخرين وترغب في إحداث تغيير في حياتهم... وهذا مطلب ملح في أيامنا هذه، حوّل هذا الشعور إلى فعل في توحيد الجهود مع الآخرين ممن يقومون على هذه الأعمال، وأسهم في نشر روح الخير والعطاء.

من هم؟ قد يسأل البعض، فلقد اختلط علينا الأمر من كثرة عمليات التحايل والسرقات من قبل الكثير من الأفراد والمؤسسات التي تدعي أنها خيرية! الإجابة تكمن في أن العمل الخيري أو التوجه إلى الأعمال الخيرية لا يحتاج فقط إلى قلب نابض ومشاعر حية، بل أيضًا إلى عقل واعٍ وفكر يقظ. الجمعيات الخيرية أيضًا لا تريدك أن ترمي الدراهم وكأنك ترغب في رمي حمل من على أكتافك، لتنطلق بعدها منتشيًا لأنك قمت بما هو المطلوب منك.

العمل الخيري هو أن تبحث وتتأكد، والأمر بات سهلًا، فجميعها مسجلة في الدولة ومتابعة من حيث المصادر والصرفيات، ومطلوب منها أن تنشر على مواقعها كل هذه المعلومات وبكل شفافية، وأي جميعة غير مسجلة تعتبر غير رسمية ومشكوك في أمرها. المهم أن نعرف بأن الجمعيات نوعان بعضها يعتمد فقط على التبرعات، والبعض الآخر على التبرعات وعلى تنمية الموارد، والأخيرة تُدعى الجمعيات أو المؤسسات غير الربحية، وقد يصعب تعريفها، لأننا نعرّفها على ما ليست هي عليه، أي غير ربحية! بينما هي تربح المال ولكن لا تصرفه على ذاتها، بل تسعى وحسب القضية أو القضايا التي تخدمها، لجعل المجتمع الحاضن أو المجتمعات مكانًا أفضل للجميع، وهنا أستطيع أن أزعم - إن سمح لي- بأن المؤسسات غير الربحية هي تجسيد للإنسانية في الهدف والحركة والعمل.

المؤسسات الخيرية تعتمد على المجتمع الحاضن، فعندما يجتمع الناس، يمكنهم إحداث تأثير كبير، لأنها تعتمد على الأفراد الذين يلتزمون بتقديم مبالغ صغيرة، نعم تعتبر التبرعات الكبيرة من بعض الشركات والأغنياء أمرًا رائعًا، ولكن الأفراد هم المجتمع وهم الأغلبية، والمجتمع الذي يهتم بمؤسساته الخيرية يرتقي بذاته من خلال التزام أفراده بالمساهمة، لأن تلك التبرعات الصغيرة والتي تتراكم تثبت قوته وقدرته على إحداث التغيير حيث تدعو الحاجة.

شاهدت في الأسبوع الماضي تضافر الجهود من أجل إطلاق فعالية خيرية تحت مسمى «معرض بساط الريح 21» في «السوبردوم»، ضمن موسم جدة وتحت رعاية إدارة الفعاليات بهيئة الترفيه، لكن ما لفت نظري حقًا هو الحضور ممن اشتروا تذكرة الدخول، هؤلاء الأفراد هم مثال على تآزر المجتمع بالمساهمة في قضاياه الخيرية، يعلمون بأن ما دفع مجتمعًا، يذهب في المساهمة لخدمة المرضى الذين تعنى بهم المؤسسة الخيرية الوطنية للرعاية الصحية المنزلية (نرعاك)، البعض منهم أتى لأنه يريد مساعدة الآخرين، والبعض أتى لأنه يراه واجبا دينيًا أو تقليدًا عائليًا، والبعض أتى لأنه يريد أن يجعل مجتمعه مكانًا أفضل، المهم أنهم أتوا دون توقع أي مقابل، لكنهم حصدوا بالمقابل مشاعر السلام والفخر، والأهم أنهم يدركون تماما أن دورهم يحدث فرقًا حتى ولو على مستوى شراء تذكرة دخول، هذه الإيجابيات هي ما تجعلهم يستمرون في العطاء والمشاركة، ليس في فعالية أو حدثا واحدا بل في أماكن أخرى وبطرق كثيرة ومتنوعة.

إن نمذجة قيمة الكرم ونكران الذات للشباب، يجعلهم أكثر عرضة للاستمرار في العطاء كراشدين، وهذا بحد ذاته يخلق تغييرًا دائمًا وإرثًا طيبا للأجيال القادمة.

ما أسعدني حقًا هو حينما شاهدت العدد الكبير من الشباب والشابات في المعرض، ممن يعملون في الإدارة والتنظيم والأمن، عدا عن انبهاري لتميزهم وانضباطهم والأخلاق العالية في التعامل مع المشاركين والزوار، أسروني بالابتسامة التي لا تفارق وجوههم، وبالكلمات الطيبة التي استقبلونا وودعونا بها، لكن الأهم هنا أن احتكاكهم بالناس الذين لديهم قيم عميقة حول العطاء ونكران الذات والتعاطف، بالتأكيد ترك أثرا كبيرا في أعماقهم، مما يدفعهم لأن يواصلوا إحياء إرث هذه الجمعيات الخيرية للأجيال التي تليهم.