لم أكن مستغربا من لجنة الأخلاق في الاتحاد الفرنسي عندما قامت بإجبار اللاعب إدريس جايا على لبس شارة تأييد التعدد الجندري، وإنذاره وتوجيهه بل وتهديده بالطرد فقط لأنه امتنع عن لبس الشارة بسبب قناعاته الدينية.

عدم استغرابي يأتي من خلال السياق الفرنسي وتعاطيه مع الحريات الدينية، تعالوا معي مثلا للتشريعات الفرنسية المتعلقة بقرار منع الحجاب، هو في واقعه قرار دكتاتوري فاحش التعدي على الحق الإنساني في ممارسة العقيدة!

وإن كنا آخذين في الحسبان أن فرنسا لم تمنع الحجاب في المدارس الخاصة، ولا المدارس الدينية، ولا في الفضاء المجتمعي العريض أو الحياة الخاصة، ولا في الجهات غير الرسمية، ولكن منعها وإن كان مقتصرا على المدارس العامة والجهات الحكومية الرسمية، فهو يعد انتهاكا لحق الحرية الدينية، وهو أمر لا يرتبط بالدين الإسلامي، وحده كما يصوره عشاق الكراهية الذين يلعبون على وتر العاطفة الدينية والشعور بالاضطهاد، فقرارات المنع الفرنسية شملت كذلك: الصليب المسيحي، والقلنسوة اليهودية، والعمامة السيخية.


السؤال: لماذا فرنسا تحاول دائما تحييد الأديان والمذاهب؟

الجواب: فرنسا من الناحية التاريخية وإبان ثورتها 1789 التي كان سببها الحقيقي انتهاك حقوق الإنسان، انطلقت من هناك فكرة الرعب والتوجس عند الفرنسيين من الأيديولوجية الدينية أياً كانت، وفي الحال ذاتها كرست في الاتجاه الآخر منظومة التطرف الفرنسي للاتجاه الديني، وأسست لثقافة الإقصاء و الإلغاء الحادة التي سادت واستمرت من وقتها .

فرنسا من الدول العلمانية المتشددة وهي ما زالت إلى الآن تعيش عقدة الكنيسة الكاثوليكية، فهي ذاقت الويلات من تسلطها، الأمر الذي انعكس عليها في النأي عن كل ما يرتبط بالأديان والمذاهب بالجملة، بعكس الدول العلمانية الأخرى الأقل حساسية التي كانت تدين بالبروتستانتية.

ومع ذلك تجد أن فرنسا لديها قانون واضح بمعاقبة مثيري الكراهية ضد أتباع الديانات الأخرى. لكنها لم تطبقه فعليا بسبب حساسيتها الدينية، فلاعب باريس سان جيرمان السنغالي المسلم ( إدريس جايا)، لم يتعرض لأحد بأذى ولم ينتهك حقا من حقوق الإنسان، فبأي حق يعاقب؟ من المعروف أن العقوبة تقرر عندما يعمل الشخص شيئا يستوجب العقوبة وليس لعدم فعله شيئا! العقوبة على الإساءة أمر مقبول، لكن أن يعاقب على صمته وعدم تأييده، فهذا يدخل في حيز القمع وانتهاك حقوق الإنسان وخاصة إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي لسنة 1789، الذي يعد عند الفرنسيين الوثيقة الأم للدستور، ولكل العهود والقوانين والمواثيق الفرنسية، إذ يؤكد في ديباجته على احترام الحريات والمساواة والعدالة.

الرائع أن مستخدمى مواقع التواصل الاجتماعي، وجهوا موجة كبيرة من الانتقادات، للمؤسسات الكروية الفرنسية، مطالبين بتحقيق العدالة والمساواة في كل المواقف ومع كل جنسيات وأعراق اللاعبين، دون النظر إلى دينهم أو ألوانهم.

أخيرا أقول: فرنسا وبسبب حساسيتها الدينية، دخلت في منحى يتضارب مع صرح الحريات التي ناضلت من أجلها الإنسانية وخاصة أعقاب الثورة الفرنسية.