يشكل الماضي وما يحويه من ذكريات مؤلمة أو تجارب محبطة عقبة أمام الكثيرين بسبب عدم القدرة على التشافي ونسيان تلك التجارب السلبية، فيستمر الألم والحسرة دون انقطاع، مما قد يتسبب في تأثير سلبي ومتواصل على مجريات الحياة، وعدم الإحساس باللذة أو المتعة في كل ما يحيط بهم.

وقد تتفاقم هذه الحالة النفسية المؤلمة ليصل الحال إلى ما يسمى بمتلازمة القلب المنكسر، التي قد تؤدي في بعض الأحيان إلى توقف القلب، والموت بسبب عدم قدرة الإنسان على الانفصال عن صدمة عنيفة هزت كيانه، ولم يستطع الخروج منها، والتشافي من ذكرياتها المحطمة لوجدانه.

وعندما يتعرض الإنسان لمثل هذا النوع من الصدمات يحاول دماغه العمل على الاستبعاد كطريقة فسيولوجية للنسيان، فيخفِّف من وطأة حالة الحزن، ويطوِّر الاهتمام بخبرات تبعده عن تذكر الآلام، وتلفت انتباهه إلى خبرات جديدة لتتم حالة الاستبعاد وحجب الذكريات المؤلمة لنسيانها مع الوقت.

وهنا تكمن قدرة الشخص على تطوير حالة الاستبعاد، وتطوير الأفكار التي تدعم التشافي من الماضي، والسير بطريقة متوازية مع محاولات عقله البعد عن الرجوع لحالة الصدمة، واجترار الألم من جديد، من خلال النظرة إلى الذات بإيجابية، والحديث الواعي بأن أقدار الله قد صارت، وأن الرضا بها هو من صميم الإيمان وأركانه.

ويمكن للإنسان بما حباه الله من قدرات على التفكير الاستقرائي الدقيق لما يمكن أن يوصله لحالة الاستقرار، والعودة من جديد للاستمتاع بالحياة، والعمل على البحث عما يسعده ويمكنه من تذوق لحظات الصفاء، وصناعة أيام مليئة بالنور.

ولا يمكن أن نحدد بدقة ما هي مصادر السعادة التي تساعد الشخص على التشافي من الماضي لأنها تختلف باختلاف الأشخاص وخلفياتهم الثقافية والاجتماعية، وتركيبة الأسرة، ومستوى العلاقات الاجتماعية مع المحيطين به.

ومن هنا يمكن أن نستنتج أن ما يصلح من ممارسات لشخصٍ ما لا يمكن أن تنطبق على آخر للوصول لحالة التشافي من الماضي، وبهذا التصور يبني كل شخص استراتيجياته التي تلائمه والتي تتفق مع المتغيرات المحيطة به.

وعلى العموم فإن تطبيق تمارين الاسترخاء، والبحث عن الجمال فيما يحيط بنا، ومحاولة العمل على تنمية الذات بالقراءة، وخوض تجارب جديدة، والاختلاط بالأشخاص الذين يشعرونك بالإيجابية والتفاعل معهم، والبعد عن الأماكن أو الأشخاص المحبطين، والعودة من جديد إلى أعمال أو هوايات نحبها، والتفكير بتغيير نمط الحياة السلبي المعتمد على الوحدة، وقلة الحركة إلى ممارسة الرياضة، والاشتراك في الأنشطة الجماعية سواءً على المستوى الأسري أو على مستوى أوسع في المجتمع يمكن أن تكون خيارات ملائمة للتشافي من الآلام والذكريات المؤلمة.

إن التشافي من الماضي يمكن أن يتم بوتيرة أسرع عندما يدرك الشخص أن مفتاح الخروج من آلامه هو نفسه ولا أحد غيره، وبناء الذات من جديد وترميم ما اعتراها من اهتراء بسبب الماضي يمكن أن يتم عبر آليات يقترحها ويطبقها، ويستمر في تجريبها حتى الوصول لحالة الاستقرار، والعودة للاستمرار في الحياة من جديد والاستمتاع بها.