من المستغرب أن يغفل صاحب المؤسسة عن أن الذي يدفع فاتورة التغوّل على الموظف هي الشركة وليس الموظف، ومع ذلك فقد نرى ونشاهد في مسيرة حياتنا المهنية وفي بعض المؤسسات مدراء يتلذذون بتعذيب الموظف، وإن كان أغلبهم موظفين أيضاً، ولكن هنا يبرز سؤال: أين من يديرون المدير؟

إن الموظف بطبيعة الحال لا يستطيع الوصول بسهولة إلى الإدارة العليا في كثير من المؤسسات، حتى وإن تمكن من الوصول إلى تلك الإدارة، فإن أغلب الموظفين يخشون من الإبلاغ عن الانتهاكات التي تقع بحقهم من مدرائهم على الصعيد النفسي، لأنهم لا يرغبون بالمخاطرة بفقدان العمل، أو بالوقوع تحت طائلة ممارسة إدارية نرجسية من مدير يحوّل حياتهم إلى جحيم بعد تقديم الشكوى.

لكن، من يدفع هذه الفاتورة الكبيرة؟ هذه الفاتورة تدفعها الشركة ككيان، ويدفعها أداؤها بمرور الوقت، وتدفعها سمعة المؤسسة على المدى المتوسط والبعيد، المؤسسة التي تُمارَس فيها سياسة إدارية غير منصِفة، وغير متوازنة، هي مؤسسة تدفع بالموظف الذي يتعرض للإساءة إلى حالة من اليأس أولأً من نفسه، فحتى اعتزازه بنفسه سينهار.

فكيف لإنسانٍ يُهان وتُنتَهَك كرامته أن يَحترِم حتى نفسه؟ وكيف يمكن لهذا الموظف الذي قد يصل إلى حالة من احتقار نفسه أن يبدع؟.

تُرى هل لو كان صاحب المؤسسة يعلم بكل هذا، هل سيتمكن من أن ينام أو أن يهنأ له بال، ومؤسسته يتم تحطيمها من وراء ظهره؟ صاحب المؤسسة هذا الذي قد بنى مؤسسته بالكثير من الجهد والتعب، وسهر الليالي يعمل دون كلل، بل وربما حرم نفسه من أبسط متع الحياة ليبني هذا الصرح، قد يأتي مدير من مدرائه يعاني من اضطرابات نفسية، وما أكثرهم، ليطعن صاحب الشركة تلك بخنجر في ظهره من خلال تحطيم معنويات الموظفين، ودفعهم بسبب اضطراباته النفسية إلى حيث لا يمكن أن يكون إنتاجهم النوعي سوى صفر، وإن كان إنتاجهم الكمي هو المطلوب.

الشركات التي لا يعلم أصحابها ماذا يجري فيها، وكيف تتم معاملة الموظفين فيها هي شركات للأسف سيدفع أصحابها ثمن سياسية مدير غير سوي نفسيًا بأن يصبح صاحب الشركة نفسه ذات يوم موظفًا من جديد، لابد للمؤسسات أن تضع نظامًا صارمًا يضمن عدالة إدارة الموظفين نفسيًا، بما يضمن أن صاحب المؤسسة لا يخسر جهد عمره وحياته وهو لا يعلم.